ينفي كون الحواس آلات والنفس هي المدركة فترتسم الجزئيات في تلك الآلات وتدركها النفس لملاحظتها في آلاتها فلا يلزم انقسام النفس ولا كونها ذات وضع وحيز وتكون آفة الفعل باختلال الآلات دون المدرك ويصح إسناد الإدراك إلى تلك الآلات وإن لم تكن مدركة حقيقة وهذا القدر الذي لا ينفيه شبه الخصم كاف للمستدل في إثبات القوى المذكورة إذ يعلم بالضرورة أنه لولا اختصاص كل عضو من تلك الأعضاء بقوة مخصوصة لما اختص بكونه آلة لنوع من المدركات دون الآخر وبذلك يثبت وجود القوى وتعددها وهو المطلوب النوع الثالث القوى الفاعلة هي التي عبر عنها فيما سبق بالمحركة على معنى أن لها مدخلا في الحركة إما بالتحريك أو الإعانة على قياس ما مر في المدركة وفائدة العدول ظاهرة وتنقسم إلى قوة باعثة على الحركة وقوة محركة مباشرة للتحريك أما الباعثة وتسمى شوقية ونزوعية فإما لجلب النفع وتسمى شهوية وإما لدفع الضرر وتسمى غضبية وأما المحركة فهي التي تمدد الأعصاب بتشنيج العضلات فتقرب الأعضاء إلى مباديها كما في قبض اليد مثلا وترخيها أي ترخي الأعصاب بإرخاء العضلات فتبعد الأعضاء عن مباديها كما في البسط أي بسط اليد وهذه القوة المثبتة في العضلات هي المبدأ القريب للحركة والمبدأ البعيد وهو التصور وبينها الشوق والإرادة فهذه مباد أربعة مترتبة للأفعال الاختيارية الصادرة عن الحيوان فإن النفس تتصور الحركة أولا فتشتاق إليها ثانيا بناء على اعتقاد نفع فيها فتريدها ثالثا إرادة قصد إليها وإيجاد لها فتحصل الحركة بتمديد الأعصاب وإرخائها رابعا وقال بعضهم الشوق إنما يوجد فيمن ليس قدرته تامة فتردد وتشتاق وأما الذي يثق بقدرته فلا شوق له
(٥٩٢)