يكن بنا حاجة إلى ذكرها في كتابنا هذا إلا أنا أوردناها فيه لتقف على مقصدهم في علم الهيئة وإذا رأيته محض تخيلات أوهن من بيت العنكبوت لم يهلك أي لم يفزعك سماع هذه الألفاظ ذوات القعاقع القعقعة صوت السلاح ونحوه من الأمور اليابسة وفي المثل ما يقعقع لي بالشنان يعني أن هذه الألفاظ أصوات لا طائل تحتها كأصوات الأسلحة ونحوها من الجمادات هذا ما ذكره ولقائل أن يقول لا شك أن الكرة إذا تحركت على مركزها من غير أن تخرج عن مكانها فلا بد أن ينفرض فيه نقطتان لا حركة لهما أصلا وهما القطبان وأن ينفرض فيما بينهما دائرة عظيمة هي في حلق الوسط بينهما وتكون الحركة عليها سريعة وهي المنطقة وأن ينفرض من جنبتيها دوائر صغار موازية لها تكون الحركة عليها بطيئة بالقياس إليها بطءا متفاوتا جدا فما هو أقرب إلى القطب يكون أبطأ مما هو أقرب إلى المنطقة ولا شبهة أيضا في أن الكرات إذا أحاط بعضها ببعض أمكن أن تكون حركاتها بحيث تتقاطع مناطقها إذا اعتبرت في كرة واحدة منها وحينئذ ينفرض هناك بين المنطقتين نقطتا تقاطع ونقطتا غاية البعد بينهما فهذه وأمثالها وإن لم تكن موجودة في الخارج لكنها أمور موهومة متخيلة تخيلا صحيحا مطابقا لما في نفس الأمر كما تشهد به الفطرة السليمة وليست من المتخيلات الفاسدة كأنياب الأغوال وجبال الياقوت والإنسان ذي الرأسين وينضبط بهذه الأمور أحوال الحركات في السرعة والبطء والجهة على الوجه المحسوس والمرصود بالآلات وينكشف بها أحكام الأفلاك والأرض وما فيها من دقائق الحكمة وعجائب الفطرة بحيث يتحير الواقف عليها في عظمة مبدعها قائلا * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * وهذه فائدة جليلة تحت تلك الألفاظ يجب أن يعتنى بشأنها ولا يلتفت إلى من يزدريها بمجرد العصبية الباعثة على ذلك والله المستعان على كل حال
(٤٣٢)