حال الشيء ذاته يستلزم ارتفاع ذاته وذلك يستلزم ارتفاع ما للذات بحسب الغير وأما ارتفاع حاله بحسب غيره فلا يقتضي ارتفاع حاله بحسب ذاته فيتقدم ما بالذات على ما بالغير تقدم الواحد على الاثنين فإذا لا وجوده أي عدمه مقدم على وجوده تقدما بالذات وهو أعني تقدم العدم على الوجود بالذات هو الحدوث الذاتي ويظهر من هذا الكلام أن الحدوث الذاتي عندهم هو مسبوقية الوجود بالعدم أيضا كالحدوث الزماني إلا أن السبق في الذاتي بالذات وفي الزماني بالزمان وقد صرح بذلك بعض الفضلاء لكنه مشكل جدا فإن العدم لا تقدم له بالذات على الوجود وإلا لكان علة له أو جزءا لعلته ولا يتصور ذلك في الممكنات المستمرة الوجود في الأزل عندهم مع كونها محدثة حدوثا ذاتيا ويرد عليه أي على الدليل الذي ذكروه أن عدم اقتضاء الوجود وإن كان أمرا ثابتا للممكن بحسب ذاته لكنه لا يوجب اقتضاءه أي اقتضاء الممكن لذاته العدم فيكون عدمه سابقا على وجوده سبقا ذاتيا كما زعموه نعم لا اقتضاء الوجود والعدم لكونه مستندا إلى ذات الممكن سابق على اقتضاء الوجود لكونه مستندا إلى غيره فإن جعل مسبوقية استحقاق الوجود بلا استحقاقيته حدوثا ذاتيا كما فعله الإمام الرازي صح أن ثبت أن ما بالذات مقدم بالذات على ما بالغير لكنه منظور فيه لأن غاية ما ذكروه في إثباته أن ارتفاع الأول يستلزم ارتفاع الثاني من دون عكس وليس يلزم منه تقدم الأول على الثاني إلا إذا ثبت أن ارتفاعه سبب لارتفاعه ولم يثبت ذلك بما ذكروه وعلى تقدير ثبوته إنما يصح هذا إذا قلنا الوجود غير الماهية في الممكنات حتى يتصور هناك أن لا اقتضائها الوجود مقدم على اقتضائه إذ لو كان الوجود عينها لم يتصور ذلك أصلا نكتة الحدوث لا يعقل إلا بسبق أمر عليه أي على الحادث لأن الحدوث عبارة عن مسبوقية وجود الشيء فلا يعقل إلا بأمر سابق عليه فهو
(٣٧٥)