الشبهة الثامنة دعوى الضرورة في قدرة العبد وفي قضية الهارب من السبع أن نعلم بالضرورة أن قدرة العبد مؤثرة على وفق إرادته وأن أفعاله صادرة عنه بمجرد اختياره ونعلم بالضرورة أيضا أن الهارب من السبع إذا عن له طريقان متساويان فإنه يختار أحدهما بلا مرجح لأنه مع شدة احتياجه إلى القرار يستحيل منه أن يقف ويتفكر في رجحان أحدهما على الآخر وكذا الحال في العطشان إذا أحضر عنده قدحان من الماء متساويان فقد وجد ممكن حادث بلا سبب والجواب ما قد عرفت من أن مثل ذلك ترجيح من فاعل مختار بلا داع وليس بمستحيل إنما المحال ترجح أحد طرفي الممكن بلا سبب مرجح من خارج وقد عرفت أيضا ما في هذا الجواب خاتمة للبحث الأول من أبحاث الممكن قال المتكلمون المحوج إلى السبب هو الحدوث لا الإمكان لأن الممكن إنما يحتاج إلى المؤثر في خروجه من العدم إلى الوجود أعني الحدوث إذ ماهيته لا تفي بذلك فإذا خرجت إلى الوجود زالت الحاجة ولهذا يبقى بعد زوال المؤثر كبقاء البناء بعد فناء البناء وأيضا إذا لاحظ العقل حدوث شيء طلب علته وإن لم يلاحظ معه شيئا آخر وأيضا لو كان المحوج هو الإمكان لأحوج في جانب العدم فيلزم أن تكون الاعدام الأزلية معللة مع كونها مستمرة والكل منظور فيه أما الأول فلأنه ليس لماهية الممكن خروج من العدم إلى الوجود مسمى بالحدوث وإلا لكانت حالة الخروج عارية عنهما معا بل ليس لها إلا الاتصاف بالعدم أو الاتصاف بالوجود فاحتياجها إلى المؤثر في هذا
(٣٥٣)