النقلي دون ما يقتضيه الدليل العقلي إبطال للأصل بالفرع فإن النقل لا يمكن إثباته إلا بالعقل لأن الطريق إلى إثبات الصانع ومعرفة النبوة وسائر ما يتوقف صحة النقل عليه ليس إلا العقل فهو أصل للنقل الذي تتوقف صحته عليه فإذا قدم النقل عليه وحكم بثبوت مقتضاه وحده فقد أبطل الأصل بالفرع وفيه أي في إبطال الأصل بالفرع إبطال للفرع أيضا إذ حينئذ يكون صحة النقل متفرعة على حكم العقل الذي يجوز فساده وبطلانه فلا يكون النقل مقطوع الصحة فقد لزم من تصحيح النقل بتقديمه على العقل عدم صحته وإذا أدى إثبات الشيء وتصحيحه إلى إبطاله وإفساده كان مناقضا لنفسه أي مستلزما لنقيض نفسه ومنافيا لها فكان باطلا ومحالا إذ لو أمكن لأمكن اجتماع النقيضين أعني نفسه ونقيضه وإذا لم يمكن العمل بهما ولا بنقيضهما ولا تقديم النقلي على العقلي فقد تعين تقديم العقلي على النقلي وهو المطلوب لا يقال جاز أن يتوقف فيهما فلا يحكم بثبوت مقتضى شيء منهما بعينه فلا يلزم شيء من تلك المحالات لأنا نقول هذا منع لا يضر المعلل لأن وجود المعارض العقلي إذا أوجب التوقف لم يفد الدليل النقلي اليقين مالم يعلم عدم ذلك المعارض وهذا هو الوجه الذي كان المستدل بصدده وأيضا التوقف يوجب تطرق احتمال الخطأ في الدليل العقلي القطعي وحينئذ لا يبقى النقلي حجة قطعية يتوقف لأجلها في الدلائل العقلية القطعية فقد ثبت أنه لا بد في إفادة الدليل النقلي اليقين من العلم بعدم المعارض العقلي لكن عدم المعارض العقلي غير يقيني إذ الغاية عدم الوجدان مع المبالغة الكاملة في تتبع الأدلة العقلية وهو أي عدم الوجدان لا يفيد القطع والجزم بعدم الوجود إذ يجوز أن يكون هناك معارض عقلي لم نطلع عليه فقد تحقق أن دلالتها أي دلالة الأدلة النقلية على مدلولاتها يتوقف على أمور عشرة ظنية فتكون دلالتها أيضا ظنية لأن الفرع الموقوف لا يزيد على الأصل الذي هو
(٢٠٨)