ما لا دليل عليه فحينئذ يجوز أن تكون تلك الجبال بحضرتنا لأنها من قبيل ما لا دليل على ثبوته وانتفت النظريات أيضا لجواز وجود معارض للدليل لا نعلمه لعدم ما يدلنا عليه أو غلط فيه لا دليل عليه والحاصل أنا إذا استدللنا بدليل على حكم نظري فإن جوزنا ثبوت ما لا دليل عليه جاز أن يكون لذلك الدليل معارض في نفس الأمر لا دليل لنا على وجود ذلك المعارض فلا نعلمه وجاز أيضا أن يكون في مقدمات ذلك الدليل غلط لا دليل عليه فلم ينكشف لنا ولا لغيرنا ومع هذا التجويز لا يمكن حصول اليقين من الدليل فظهر أن تجويز ما لا دليل عليه يوجب القدح في العلوم الضرورية والنظرية فيكون باطلا وأشار إلى الثاني بقوله وأيضا فإن ما لا دليل عليه من الأشياء غير متناه يعني أن غير المتناهي من جملة الأشياء التي لا دليل على ثبوتها فلو جوزنا ثبوت ما لا دليل عليه لزمنا تجويز إثبات ما لا يتناهى وإثباته محال والجواب أن قولكم في شيء معين أنه لا دليل عليه إما أن تريدوا به عدمه في نفس الأمر أو عدمه عندكم فإن أردتم الأول قلنا عدم الدليل على ذلك الشيء في نفس الأمر ممنوع فإن تزييفكم أدلة المثبتين وعدم وجدانكم بالاستقراء دليل عليه لا يفيد أن ذلك لجواز أن يكون هناك دليل لم يطلع عليه أحد ولئن سلم فعدم الدليل في نفس الأمر لا يدل على عدم ذلك الشيء في نفسه فإن الصانع تعالى لو لم يوجد العالم لم يدل ذلك على عدمه قطعا وإن أردتم الثاني فنقول عدم الدليل عندكم لا يفيد ولا يدل على عدم ذلك الشيء في نفس الأمر وإلا لزم علم العوام وكونهم جازمين عالمين بانتفاء الأمور التي لا يعلمون دليلا على ثبوتها وعلم الكفار المنكرين لوجود الصانع وتوحيده والنبوة والحشر أعني يلزم كونهم عالمين بانتفاء هذه الأمور التي ليست عندهم أدلتها ولزم أن يكون الأجهل بالدلائل
(١٨٧)