المواقف - الإيجي - ج ١ - الصفحة ١٦٢
يعارض القواطع وما استدللنا به على وجوب النظر من قبيل القواطع وأما المعتزلة فهذه الطريقة التي هي معتمد الأصحاب في إثبات وجوب النظر وهي الاستدلال بوجوب المعرفة على وجوبه طريقتهم أيضا في إثباته إلا أنهم يقولون المعرفة واجبة عقلا أي يتمسكون في إثبات وجوبها بالعقل لا بالإجماع والآيات لأنها دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف أي من اختلاف الناس في إثبات الصانع وصفاته وإيجابه علينا معرفته فإن العاقل إذا اطلع على هذا الاختلاف الواقع بين الناس جوز أن يكون له صانع قد أوجب عليه معرفته فإن لم يعرفه ذمه وعاقبه فيحصل له خوف وغيره أي الخوف الحاصل من غير الاختلاف كالنعم الظاهرة والباطنة فإن العاقل إذا شاهدها جوز أن يكون المنعم بها قد طلب الشكر عليها فإن لم يعرفه ولم يشكره عليها سلبها عنه وعاقبه فيحصل له من ذلك أيضا خوف وهو أي الخوف ضرر للعاقل ودفع الضرر عن النفس مع القدرة عليه واجب عقلا فإن العاقل إذا لم يدفع ضرره مع قدرته عليه ذمه العقلاء بأسرهم ونسبوه إلى ما يكرهه وهذا معنى الوجوب العقلي ولما كانت المعرفة واجبة عقلا وكانت لا تتم إلا بالنظر كان النظر أيضا واجبا عقلا لما عرفت هكذا تمسكوا بهذه الطريقة ونحن نقول بعد تسليم حكم العقل بالحسن والقبح في الأفعال وما يتفرع عليهما من الوجوب والحرمة وغيرهما تمنع حصول الخوف المذكور لعدم الشعور بما جعلوا الشعور به سببا له من الاختلاف وغيره ودعوى ضرورة الشعور من العاقل ممنوعة لعدم الخطور في الأكثر فإن أكثر الناس لا يخطر ببالهم أن هناك اختلافا بين الناس فيما ذكر وأن لهذه النعم منعما قد طلب منهم الشكر عليها بل هم ذاهلون عن ذلك فلا يحصل لهم خوف أصلا وإن سلم حصول الخوف فلا نسلم أنه أي العرفان الحاصل بالنظر يدفعه أي الخوف إذ قد يخطئ فلا يقع العرفان على وجه الصواب لفساد النظر فيكون الخوف حينئذ أكثر لا يقال الناظر فيه أي في عرفانه تعالى أحسن حالا قطعا من المعرض عنه بالكلية لأنا نقول ذلك ممنوع لأن النظر قد يؤدي إلى الجهل المركب الذي هو أشد خطرا من الجهل البسيط والبلاهة أدنى إلى الخلاص من
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»