جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٩٥
كان مالك بن أنس يقول الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل السكوت أحب إلا لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل قال أبو عمر قد بين مالك رحمه الله أن الكلام فيما تحته عمل هو المباح عنده وعند أهل بلده يعني العلماء منهم رضي الله عنهم وأخبر أن الكلام في الدين نحو القول في صفات الله وأسمائه وضرب مثلا فقال نحو قول جهم والقدر والذي قاله مالك رحمة الله عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديما وحديثنا من أهل الحديث والفتوى وإنما خالف ذلك أهل البدع المعتزلة وسائر الفرق وأما الجماعة فعلى ما قال مالك رحمه الله إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا قال ابن عيينة سمعت من جابر الجعفي كلاما خشيت أن يقع علي وعليه البيت وقال يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يوم ناظره حفص الفرد قال لي يا أبا موسى لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الكلام لقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه وقال أحمد بن حنبل رحمه الله أنه لا يفلح صاحب كلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل وقال مالك أرأيت إن جاء من هو أجدل منه ايدع دينه كل يوم لدين جديد وذكر ابن أبي خيثمة قال حدثنا محمد بن شجاع البلخي قال سمعت الحسن ابن زياد اللؤلؤي وقال له رجل في زفر بن الهذيل أكان ينظر في الكلام فقال سبحان الله ما أحمقك ما أدركت مشيختنا زفر وأبا يوسف وأبا حنيفة ومن جالسنا واخذنا عنه يهمهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم وروينا أن طاوسا ووهب ابن منبه التقيا فقال طاوس لوهب يا أبا عبد الله بلغني عنك أمر عظيم فقال ما هو قال تقول إن الله حمل قوم لوط بعضهم على بعض قال أعوذ بالله ثم سكتا قال فقلت هل اختصما قال لا قال أبو عمر أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصر إن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»