قوله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من اللهالتوبة وقد سقط منها حق المؤلفة قلوبهم لأن الله تعالى قد أغنى الإسلام وأهله عن أن يتألف عليه اليوم أحد ولو اضطر الإمام في وقت من الأوقات أن يتألف كافرا يرجى نفعه وتخشى شوكته جاز أن يعطى من أموال الصدقات ويسقط العاملون لمن فرقها عن نفسه وأما الفقراء والمساكين فليس في الفرق بينهما نص ومذهبه يدل على أنهما عنده سواء بمعنى واحد وهم الذين يملك أحدهم ما لا يكفيه ولا يقوم بمؤونته وقيل الفقير أشد حالا من المسكين وقيل المسكين أشد فقرا والعاملون عليها السعاة على الصدقات وجباتها يدفع إليهم منها أجرة معلومة قدر عملهم ولا يستأجرون بجزء منها للجهالة بقدرة وفي الرقاب معناه في عتق الرقاب فيجوز للإمام إن يشتري رقابا من مال الصدقة ويكون ولاؤهم لجماعة المسلمين وإن اشتراهم صاحب الزكاة وأعتقهم جاز ذلك هذا تحصيل مذهب مالك وقد روي عن مالك من رواية المدنيين وزياد عنه أنه يعان منه المكاتب في أخذ كتابته بما يعتق به وعلى هذا أكثر العلماء في تأويل قول الله عز وجلوفي الرقاب وأما الغارمون فهم الذين عليهم من الدين مثل ما بأيديهم من المال أو أكثر وهم ممن قد أدان في واجب أو مباح فإن كان كذلك جاز أن يعطوا من الصدقة ما يقضون به ديونهم أو بعضها فإن لم يكن لهم أموال فهم فقراء غارمون يستحقون الأخذ بالوصفين جميعا إلا أنهم ليسوا عندنا بذوي سهمين لأن الصدقات عندنا ليست مقسومة سهاما ثمانية وغيرها وإنما المعنى في الآية إعلام من تجوز له الصدقة فمن وضعها في صنف من الأصناف التي ذكر الله عز وجل أجزأه وأما قوله عز وجل وفي سبيل الله فهم الغزاة وموضع الرباط يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء وهو قول أكثر العلماء وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله وقال ابن عمر هم الحجاج والعمار وابن السبيل كل من قطع به في سبيل بر أو سبيل سياحة وسواء كان غنيا أو فقيرا ببلده إذا قطع به بغير بلده دفع إليه من الصدقة ما يكفيه ويبلغه ويحل ذلك إليه وليس عليه صرفه في وجوه الصدقة إذا عاد إلى بلده
(١١٤)