التمهيد - ابن عبد البر - ج ١٩ - الصفحة ٩٣
الله المؤمنين بعضهم لبعض أولياء فقال * (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * 57 والمؤمنون في الجملة هكذا يرث بعضهم بعضا فلو أن رجلا مات لا وارث له لكان ميراثه للمسلمين ولو جنى جناية لعقل عنه المسلمون ثم تكون ولاية أقرب من ولاية وقرابة أقرب من قاربة فإنما يجوز النكاح على جهته وبمن هو أولى بالمرأة وبمن لو تاشجروا وترافعوا إلى الحاكم لجعل أمر المراة إلى ذلك الرجل فإذا كانت المرأة بموضع لا سلطان فيه ولا ولي لها فإنها تصير أمرها إلى من يوثق به من جيرانها فيزوجها ويكون هو وليها في هذه الحال لأن الناس لا بد لهم من التزويج وإنما يعملون فيه بأحسن ما يمكن وعلى هذا قال مالك في المرأة الضعيفة الحال إنه يزوجها من تسند أمرها إليه لأنها ممن تضعف عن السطان وأشبهت من لا سلطان بحضرتها ورجعت في الجملة إلى أن المسلمين أولياؤها ولذلك قال مالك في المرأة التي لها أولياء إنه يزوجها ذو الرأي منهم وإن كان أبعد إليها من غيره على ما قال عمر بن الخطاب لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان لأن ذلك وجه من وجوه إنكاحها بل هو أحسنه لأنه لو رفع إلى الحاكم أمرها لأسنده إلى ذلك الرجل قال إسماعيل وإذا صيرت المرأة أمرها إلى رجل وتركت ألأولياء فإنها أخذت الأمر من غير وجهه وفعلت ما ينكره الحاكم عليها وينكره المسلمون فيفسخ ذلك النكاح من غير أن يعلم حقيقة أنه حرام لما وصفنا من أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ولما في ذلك من الاختلاف ولكن لتناولها الأمر من غير وجهه ولأنه أحوط في الفروج وتحصينها فإذا وقع الدخول وتطاول الأمر لم يفسخ لأن الأمور إذا تفاوتت لم يرد منها إلا الحرام الذي لا شك فيه ويشبه ما فات من ذلك بحكم الحاكم إذا حكم بحكم لم يفسخ إلا أن يكون خطأ لا يشك فيه فأما ما يجتهد فيه الرأي وفيه
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»