الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٨ - الصفحة ٥٧٦
الكذب ومن شأنه الكذب في ما أبيح له وفي ما لم يبح وهو أكثر من الكاذب لأن الكاذب يكون لمرة واحدة والكذاب لا يكون إلا للمبالغة والتكرار وليست هذه صفة المؤمن وأما قوله إن المؤمن قد يكون بخيلا وقد يكون جبانا فهذا معلوم بالمشاهدة معروف بالأخبار والمعاينة ولكن ليس البخل ولا الجبن من صفات الأنبياء ولا الجلة من الفضلاء لأن الكرم والسخاء من رفيع الخصال وكذلك النجدة والشجاعة وقوة النفس على المدافعة إذا كان ذلك في الحق ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا (1) وقد ذكرت في التمهيد بإسناده عن الثوري عن منصور عن إبراهيم أنه ذكر عنده البخل فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (2) قال إبراهيم وسمعت علقمة والأسود يقولان قال عبد الله وأي داء أدوى من البخل قال أبو عمر قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (3) وكان أبو حنيفة لا يجيز شهادة البخيل فقيل له في ذلك فقال إنه يحمله النقص على أن يأخذ فوق حقه قال وقد قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه ما استقصى كريم قط وأما الكذب والتشدد فيه موجود في الآثار المرفوعة عن السلف أيضا مثل ذلك وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة كذبها لا ندري على الله كذب أو في غير ذلك وقد حدثنا خلف بن أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا يونس بن وهب قال أخبرني محمد بن مسلم عن أيوب عن بن سيرين عن عائشة قالت ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب وما أطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد بشيء من الكذب وإن قل فتخرج له من نفسه حتى يحدث توبة (4)
(٥٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 ... » »»