الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٨ - الصفحة ٥٥٢
وقال أيضا (إن الزمان يغريني بأمانه * ويذيقني المكروه من حدثانه) (فأنا النذير من الزمان لكل من * أمسى وأصبح واثقا بزمانه) [وقال (إن الفتى من الفناء قريب * إن الزمان إذا رمى لمصيب) (إن الزمان لأهله لمؤدب * لو كان فيهم ينفع التأديب) (صفة الزمان حكيمة وبليغة * إن الزمان لشاعر وخطيب) (ولقد رأيتك للزمان مجربا * لو كان يحكم رأيك التجريب) (ولقد يكلمك بالسن غريمة * وأراك لست تجيب) (لو كنت تفهم ما بك قوله * لعراك منه تعجم ونحيب) (كيف اغتررت بصرف دهرك يا أخي * كيف اغتررت به وأنت لبيب) (ولقد حسبت الدهر بك * حفيا وأنت مجرب وأريب) وقال منصور الفقيه (يا حسن الظن بالليالي * أما تراها كيف تفعل) (يضحك هذا وذاك يبكي * تنصر هذا وذاك يخزل) (ذاك معافى وذاك مبتلى * وذاك تولى وذاك تعزل) (أم أنت عن ما تراه من ذا * وذاك من فعلها بمعزل) والمراد بهذا من منصور وغيره أن ذلك يقع من الليل والنهار ومثل ذلك قوله أيضا (للدهر إقبال وإدبار * وكل حال بعدها حال) (وآمن الأيام في غفلة * وليس للأيام إغفال) وقد أنشدنا في باب أبي الزناد من كتاب التمهيد أشعارا كثيرة من أشعار الجاهلية وأشعارا أيضا كثيرة إسلامية فيها ذم الزمان [وذم الدنيا] وذم الدهر إلا أن المؤمن الموحد العالم بالتوحيد ينزه الله - سبحانه وتعالى - عن كل سوء ينوي ذلك ويعتقده فإن جرى على لسانه [شيء] على عادة الناس استغفر الله وراجع الحق وراض نفسه عن العودة إليه كما قال بعض [الفضلاء] العقلاء (يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا * وأنت والد سوء تأكل الولدا) (أستغفر الله بل ذا كله قدر * رضيت بالله ربا واحدا صمدا) (لا شيء يبقى سوى خير تقدمه * ما دام ملك لإنسان ولا خلدا) وقال [سليمان] بن قبة العدوي وكان مؤمنا صالحا
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»