وقد مضى القول فيمن مات شهيدا في حياته ومن مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنه وأما الباقون بعده فهذه الجملة من القول عامة فيهم مع ثناء الله (عز وجل) عليهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم وأنهم رضوا عنه ورضي عنهم وحسبك بهذا وأما التعيين فيهم وتفضيل بعضهم على بعض فهذا لا يصح في نظر ولا اعتبار ولا يحيط بذلك إلا الواحد القهار المطلع على النيات الحافظ للأعمال إلا من جاء فيه أثر صحيح بأنه في الجنة جاز أن يقال فيه ذلك اتباعا للأثر لا أنه أفضل من الذين شاركوه في مثل فضله ذلك ومن فضله رسول الله بخصلة وشهد له بها جاز أن يفضل بها في نفسه لا على غيره وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه بفضائل وخصائل من الخير كثيرة أثنى بها عليهم ووصف كل واحد منهم بخصلة منها أفرده بها ولم يشرك معه غيره فيها ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح تجب الحجة بمثله أنه قال فلان أفضل من فلان إذا كانا جميعا من أهل السوابق والفضائل وذلك من أدبه ومحاسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم لئلا يومئ للمفضول بغيبة ويحطه في نفسه فيخرجه ويخزيه ولم يكن ذلك أيضا من دينه لأنه لم يعلم من غيب أمورهم وحقائق شأنهم إلا ما أطلعه الله عليه من ذلك وكان لا يتقدم بين يدي ربه ولو كان ذلك من دينه لأفشاه إن علمه ومن أخذ عليه الميثاق في تعليمه وتبليغه فلما لم يفعل علمنا أن قول القائل فلان أفضل من فلان باطل وليس بدين ولا شريعة وقد أجمع علماء المسلمين أن الله تعالى لا يسأل عباده يوم الحساب من أفضل عبادي ولا هل فلان أفضل من فلان ولا ذلك مما يسأل عنه أحد في القبر ولكن رسول الله قد مدح خصالا وحمد أوصافا من اهتدى إليها جاز الفضائل وبقدر ما فيه منها كان فضله في ظاهر أمره على من لم ينلها ومن قصر عنها لم يبلغ من الفضل منزلة من ناله هذا طريق التفضيل في الظاهر عند السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان قال أبو عمر ألا ترى الحكام إنما يقضون في التعديل والتجريح عند الشهادات بما يظهر ويغلب ولا يقطعون على غيب فيما به من ذلك يقضون ولم يكلفوا إلا العلم الظاهر والباطن إلى الله عز وجل
(١٠٧)