وقد روي معناه مسندا متصلا من وجوه من حديث عقبة بن عامر وحديث جابر وحديث أنس وغيره منها حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال ((أنا فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض وإني - والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) (1) ذكره البخاري قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا الليث فذكره قوله صلى الله عليه وسلم ((لشهداء أحد هؤلاء أشهد عليهم)) يقول ((أنا شهيد لهم)) وقد تكون بمعنى لهم في لسان العرب ويكون لهم بما عليهم أيضا يقول أنا شهيد لهم بأنهم صدقوا بما عاهدوا الله عليه من الإيمان والجهاد في سبيله وطاعته وطاعة رسوله حتى ماتوا على ذلك ومن كانت هذه حالته فقد وعده الله الجنة والله لا يخلف الميعاد فهذه شهادة لهم قاطعة بالجنة ويعضد هذا قول الله تعالى في الشهداء أنهم * (أحياء عند ربهم يرزقون) * [آل عمران 69] وفي شهداء أحد نزلت هذه الآية والشهادة لهم بالجنة ما لا خلاف ولا شيء في معانيه لأنهم ماتوا ذابين عن دين الله وعن رسوله بهذه الحالة هي النهاية في الفصل مع السلامة من التبديل والتغيير وموبقات الذنوب التي أكثر أسبابها الإفراط في حب الدنيا والمنافسة فيها ولشهداء أحد عندنا كل من مات بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا في غزوة غزاها أو سرية بعثها وكذلك من مات على فراشه في عصارة إيمانه كعثمان بن مظعون وغيره ممن لم يتلبس من الدنيا بما يدنسه وأما قوله في حديث مالك ((بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي)) فإن الخطاب توجه إلى أبي بكر الصديق ومن كان معه والمراد به أصحابه وكل من آمن به من الكائنين بعده إلا أن أهل بدر والحديبية من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة
(١٠٥)