الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٤ - الصفحة ١٨٦
وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر وذلك والله أعلم لأنهما كسائر حيطان البيت التي لا تستلم لأنهما ليسا بركنين على حقيقة بناء إبراهيم (عليه السلام) وأما بنيان قريش للبيت الحرام فلا خلاف في ذلك وقد اختلف في تاريخ بنائهم له فذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب قال كان بين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنة وذكر بن وهب عن بن لهيعة عن بن الأسود محمد بن عبد الرحمن قال إن الله (عز وجل) بعث محمدا على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وقال محمد بن جبير بن مطعم بني البيت بعد خمس وعشرين سنة بعد الفيل وقال بن إسحاق على رأس خمس وثلاثين سنة وقد ذكرنا الآثار عن هؤلاء كلهم في التمهيد وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن مجاهد قال كان البيت عريشا تقتحمه العنز حتى إذا كان قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة سنة بنته قريش وعن معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل قال كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدد وكانت قدر ما تقتحمها العناق وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلا وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا وكانت ذات ركنين هيئة هذه الحلقة فأقبلت سفينة من الروم تريد الحبشة حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت السفينة فخرجت قريش ليأخذوا خشبها فوجدوا روميا عندها فأخذوا الخشب وقدموا بالرومي فقالت قريش نبني بهذا الخشب بيت ربنا فلما أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الجائز سوداء الظهر بيضاء البطن فجعلت كلما أتى أحد إلى البيت ليهدمه أو يأخذ من حجارته سعت إليه فاتحة فاها فاجتمعت قريش عند المقام فعجوا إلى الله تعالى فقالوا ربنا لم ترع أردنا تشريف بيتك وتزيينه فإن كنت ترضى بذلك وإلا فما بدا لك فافعل فسمعوا خواتا في السماء يعني صوتا ورجة فإذا هم
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»