الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٤ - الصفحة ١٧٨
وسئل مالك عمن أهل من أهل مكة بالحج ثم أصابه كسر أو بطن متحرق أو امرأة تطلق قال من أصابه هذا منهم فهو محصر يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق إذا هم أحصروا قال مالك في رجل قدم معتمرا في أشهر الحج حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة ثم كسر أو أصابه أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف قال مالك أرى أن يقيم حتى إذا برأ خرج إلى الحل ثم يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يحل ثم عليه حج قابل والهدي قال مالك فيمن أهل بالحج من مكة ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم مرض فلم يستطع أن يحضر مع الناس الموقف قال مالك إذا فاته الحج فإن استطاع خرج إلى الحل فدخل بعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة لأن الطواف الأول لم يكن نواه للعمرة فلذلك يعمل بهذا وعليه حج قابل والهدي فإن كان من غير أهل مكة فأصابه مرض حال بينه وبين الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حل بعمرة وطاف بالبيت طوافا آخر وسعى بين الصفا والمروة لأن طوافه الأول وسعيه إنما كان نواه للحج وعليه حج قابل والهدي قال أبو عمر أما قول بن عمر في المحصر بمرض إنه لا يحله إلا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فهو الذي عليه جمهور أهل الحجاز وهو قول بن عمر وبن عباس وعائشة وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وما أعلم لابن عمر مخالفا من الصحابة في هذه المسألة إلا بن مسعود فإنه قال في المحصر بمرض إذا بعث بهدي وواعد صاحبه ثم يوم ينحره جاز له أن يحل وهو بموضعه قبل أن يصل إلى البيت وقد روي مثل ذلك عن زيد بن ثابت [من] طريق منقطع لا يحتج به وهو قول جمهور العلماء وهو قول عطاء وبه قال أبو ثور في رواية عنه وشذت طائفة قالت من أحصر بمرض أو كسر أو عرج فقد حل بالموضع الذي عرض له هذا فيه ولا هدي عليه وعليه القضاء وممن قال بهذا أبو ثور وداود @ 179 @ وحجتهم حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول] من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى رواه الحجاج بن أبي عثمان الصواف قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو فذكره قال عكرمة حدثت به بن عباس وأبا هريرة فقالا صدق هكذا رواه إسماعيل بن علية ويحيى بن سعيد القطان عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف بإسناده المذكور ورواه معمر بن راشد ومعاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن الحجاج بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فأدخلوا بين عكرمة وبين الحجاج بن عمرو عبد الله بن رافع وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وهذا يحتمل عند العلماء معنى قوله فقد حل أي فقد حل له أن يحل بما يحل به المحصر من النحر أو الذبح لا أنه قد حل بما نزل به من إحرامه قالوا وإنما ذلك مثل قولهم قد حلت فلانة للرجال إذا انقضت عدتها يريدون بذلك حل للرجال أن يخطبوها ويتزوجوها بما تحل به الفروج في النكاح من الصداق وغيره هذا تأويل من ذهب [مذهب] الكوفيين وتأول من ذهب مذهب الحجازيين أي فقد حل إذا وصل إلى البيت حلا كاملا وحل له بنفس الكسر والعرج أن يفعل ما شاء من إلقاء التفث ويفتدي وليس الصحيح أن يفعل ذلك وقد تقدم قول مالك في هذا الباب وتبين فيه مذهبه وهو مذهب الشافعي والحجازيين وأما أهل العراق فنذكر نصوص أقوالهم ليوقف كذلك على مذاهبهم قول سفيان الثوري إذا أحصر المحرم بالحج بعث بهدي فنحر عنه يوم النحر وإن نحر قبل ذلك لم يجزه وجملة قول أبي حنيفة وأصحابه أنه إذا أحصر الرجل بعث به وواعد المبعوث معه يوما يذبحه فيه فإذا كان ذلك اليوم حلق عند أبي يوسف أو قصر وحل ورجع
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 180 181 182 183 184 ... » »»