وفي هذا الحديث من الفقه أن الاعتكاف يلزم مع النية بالدخول فيه فإذا دخل الإنسان ثم قطعه لزمه قضاؤه وإنما قلنا إنه يلزمه بالنية مع الدخول وإن لم يكن في حديث مالك ذكر دخوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الاعتكاف الذي قضاه إلا في رواية بن عيينة لهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه فلما صلى الصبح - يعني في المسجد - وهو موضع اعتكافه مع عقد نيته على ذلك والنية هي الأصل في الأعمال وعليها تقع المجازات فمن هنا - والله أعلم - قضى اعتكافه في ذلك في شوال صلى الله عليه وسلم وقد ذكر سنيد قال حدثنا معمر بن سليمان عن كهمس عن معبد بن ثابت في قوله عز وجل " ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله " [التوبة 75] إنما هو شيء يروه في أنفسهم ولم يتكلموا به ألا تسمع إلى قوله تعالى في الآية * (أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) * [التوبة 78] قال وحدثنا معتمر وقال ركبت البحر فأصابتنا ريح شديدة فنذر قوم معنا نذرا ونويت أنا شيئا لم أتكلم به فلما قدمت البصرة سألت أبا سليمان التيمي فقال يا بني فء به فغير نكير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قضى الاعتكاف من أجل أنه كان قد نوى أن يعمله وإن لم يدخل فيه لأنه كان أوفى الناس لربه بما عاهده عليه وأبدرهم إلى طاعته فإن كان دخل فيه فالقضاء واجب عند العلماء لا يختلف في ذلك الفقهاء وإن كان لم يدخل فيه فالقضاء مستحب لمن هذه حاله عند أهل العلم مندوب إليه أيضا مرغوب فيه ومن العلماء من أوجب قضاءه عليه من أجل أنه كان عقد عليه نيته والوجه عندنا ما ذكرنا ومن جعل على المعتكف قضاء ما قطعه من اعتكافه قاسه على الحج التطوع يقطعه صاحبه عمدا أو مغلوبا وقد ذكرنا حكم قطع الصلاة التطوع والصيام التطوع وما للعلماء في ذلك من المذاهب فيما مضى من هذا الكتاب وذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن النساء أيعتكفن قال نعم وقد ذكرنا طرفا من اختلاف العلماء في مكان معتكف النساء في أول باب الاعتكاف وقد ذكرنا ها هنا ما هو على شرطنا
(٣٩٨)