الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ٣٩٧
وقد ذكرنا كثيرا من طرقه بذلك عن يحيى بن سعيد في التمهيد وذكره البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف وساقه بكماله وذكره البخاري أيضا عن أبي النعمان عارم بن الفضل عن حماد بن زيد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قال أبو عمر هذا الحديث أدخله مالك في باب قضاء الاعتكاف وهو أعظم ما اعتمد عليه من فقه ومعنى ذلك عندي - والله أعلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فلما رأى ما كرهه من تنافس زينب وحفصة وعائشة في ذلك وخشي أن يدخل نيتهن داخلة انصرف ثم وفى الله عز وجل بما نواه من فعل البر فاعتكف عشرا من شوال وفي ذلك جواز الاعتكاف في غير رمضان وهو أمر لا خلاف فيه وأما قوله في الحديث آلبر تقولون بهن فمعناه يظنون بهن البر وأنا أخشى عليهن أن يردن الكون معي على ما يريد النساء من الانفراد بالأزواج في كل حين وإن لم يكن حين جماع فكأنهن مع إرادتهن لذلك لم يكن اعتكافهن خالصا لله فكره لهن ذلك وهو معنى قوله في غير حديث مالك آلبر تردن - أو يردن كأنه توبيخ أي ما أظنهن يردن البر وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لأزواجه الاعتكاف لشدة مؤنته لأن ليله ونهاره سواء قال مالك لم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا بن المسيب ولا أحدا من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن وذلك - والله أعلم - لشدة الاعتكاف ولو ذهب ذاهب إلى أن الاعتكاف للنساء مكروه بهذا الحديث لكان مذهبا ولولا أن بن عيينة وهو حافظ ذكر فيه أنهن استأذنه في الاعتكاف لقطعت بأن الاعتكاف للنساء في المساجد غير جائز وما أظن استئذانهن محفوظا ولكن بن عيينة حافظ وقد تابعه الأوزاعي وبن فضيل في أن عائشة استأذنته لنفسها وبعضهم يقول إن عائشة استأذنته لنفسها وحفصة في الاعتكاف فأذن لمن استأذنته منهن ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعلم فيما في نيتهن
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»