وكذلك يقال فلان نار يريد أنه يفعل كفعل النار مجازا واستعارة ومعلوم أن نار جهنم تفضل نار بني آدم سبعين جزءا أو تسعة وستين جزءا وفي هذا ما يوضح لك أن ذلك مجاز أو لغة معروفة في لسان العرب ومن قال قولهم ومنه أحرق الحزن قلبي وأحرق فلان فؤادي بقوله كذا ومن هذا المعنى قيل الحر من فيح جهنم والله أعلم وأما قوله ((فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) فمعنى الإبراد بها تأخيرها عن أول وقتها حتى يزول سموم الهاجرة لأن الوقت فيه سعة - والحمد لله - على ما مضى في كتابنا هذا واضحا واختلف العلماء في شيء من هذا المعنى فذكر إسماعيل بن إسحاق وأبو الفرج عمرو بن محمد أن مذهب مالك في الظهر وحدها أن يبرد بها وتؤخر في شدة الحر وسائر الصلوات تصلى في أوائل أوقاتها قال أبو الفرج أختار لك لجميع الصلوات أول أوقاتها إلا الظهر في شدة الحر لقوله - عليه الصلاة والسلام - ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)) وأما بن القاسم فحكى عن مالك أن الظهر تصلى إذا فاء الفيء ذراعا في الشتاء والصيف للجماعة والمنفرد على ما كتب به عمر إلى عماله وقال بن عبد الحكم وغيره من أصحابنا إن معنى كتاب عمر مساجد الجماعات وأما المنفرد فأول الوقت أولى به وهو في سعة من الوقت كله وإلى هذا مال فقهاء المالكيين من البغداديين ولم يلتفتوا إلى رواية بن القاسم وقد مضى في الأوقات ما يكفي في صدر هذا الكتاب والحمد لله وقال الليث بن سعد يصلى الصلوات كلها الظهر وغيرها في أول الوقت في الشتاء والصيف وهو أفضل وكذلك قال الشافعي إلا أنه استثنى فقال إلا أن يكون إمام جماعة ينتاب (1) من المواضع البعيدة فإنه يبرد بالظهر وقد روي عنه أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبراد كان بالمدينة لشدة حر الحجارة ولأنه لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده فكان ينتاب من بعد فيتأذون بشدة الحر فأمرهم بالإبراد لما في الوقت من السعة وقال العراقيون تصلى الظهر في الشتاء والصيف في أول الوقت واستثنى أبو
(٩٨)