الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٥١٢
وفي هذا الحديث أيضا إثبات حجة مالك وأصحابه في قولهم إذا نسي الحاكم حكمه فشهد عليه عنده شاهدان إنه ينفذه ويمضيه وإن لم يذكره لأن النبي - عليه السلام - رجع إلى قول ذي اليدين ومن شهد معه إلى شيء لم يذكره وقال الشافعي وأبو حنيفة لا ينفذه حتى يذكر حكمه به على وجهه لأنه لا يقبل الشهود إلا على غيره لا على نفسه لأنهم لو شهدوا عنده بخلاف علمه لم يحكم بشهادتهم ولا حجة في حديث ذي اليدين لأنه لم يحكم بشهادتهم ممكن محتمل أن يكون النبي - عليه السلام - لما قال له أصحابه إن ما ذكر ذو اليدين حق تيقن ذلك فرجع من شكه إلى يقين وهذا مجتمع عليه في أصل الدين لأنه محال ألا يصدقهم ثم يعمل بخبرهم وبالله التوفيق وفيه إثبات سجود السهو على من سها في صلاته وفيه أن السجود يكون بعد السلام إذا كان زاد الإنسان في صلاته شيئا سهوا وبه استدل أصحابنا على أن السجود بعد السلام فيما كان زيادة أبدا وفيه أن سجدتي السهو يكبر في كل خفض ورفع منهما ويسلم على حديث عمران بن حصين واختلف المتأخرون من أصحابنا في رجوع المسلم ساهيا في صلاته إلى تمام ما بقي عليه منها هل يحتاج في ذلك إلى إحرام أم لا فقال بعضهم لا بد أن يحدث إحراما يجدده لرجوعه إلى تمام صلاته وإن لم يفعل لم يجزه وقال آخرون ليس ذلك عليه وإنما عليه أن ينوي الرجوع إلى تمام صلاته فإن كبر في رجوعه فحسن لأن التكبير إشعار حركات المصلي وإن لم يكبر فلا شيء عليه لأن أصل التكبير في غير الإحرام إنمغا كان للإمام ثم صار سنة بمواظبة رسول الله حتى لقي الله مع قوله ((فإذا كبر فكبروا)) يعني يكبرون بتكبيره وتكبير الصلوات محصور عدده فلا وجه للزيادة فيه ألا ترى أن الذي يحسبه الإمام لا يكبر إذا قام إلى قضاء ما عليه لأن تلك التكبيرة لو كبرها كانت زائدة على تكبير الصلاة والله أعلم وإنما قلنا إنه إذا نوى الرجوع إلى صلاته ليتمها فلا شيء عليه وإن لم يكبر لإحرام ولا غيره لأن سلامه ساهيا لا يخرجه من صلاته عندنا وعند جمهور العلماء ولا يفسدها عليه وإذا كان في صلاته بنى عليها فلا معنى للإحرام لأنه غير مستأنف لصلاة بل هو متمم لها بان فيها وإنما يؤمر بتكبيرة الإحرام من ابتدأ صلاته وافتتحها وبالله التوفيق
(٥١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 506 507 508 509 511 512 513 514 515 516 517 ... » »»