الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٤٠٦
وقال أبو حنيفة والثوري وزفر ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وجمهور أهل العراق من التابعين ومن بعدهم لا يجوز الأذان لصلاة الفجر حتى يطلع الفجر وعندهم في ذلك آثار كثيرة قد ذكرها جماعة من المصنفين منهم بن أبي شيبة وعبد الرزاق وقد ذكرنا في ((التمهيد)) بعضها منها أن رسول الله قال لبلال ((لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر)) (1) ومنها أن بلالا أذن مرة قبل الفجر فأمره رسول الله أن يعيد الأذان فينادي ألا إن العبد قد نام وعرض مثل هذا لعمر مع مؤذن له يقال له مسروح أذن قبل الفجر فأمره بمثل ذلك وآثار كثيرة بمثل هذا المعنى عن بلال وعن سلف أهل العراق إلا أن حديث بن عمر في هذا الباب أثبت عند أهل العلم بالنقل ومن حجتهم أيضا أن سائر الصلوات قد أجمعوا أنه لا يجوز لها الأذان قبل وقتها واختلفوا في الصبح فواجب أن ترد الصبح قياسا على غيرها إذ لم يجمعوا فيها على ما يجب التسليم له والذي أقول به أنه جائز الأذان للصبح قبل الفجر لصحة الإسناد بذلك في حديث بن عمر على أن يؤذن لها مع ذلك المؤذن مؤذن آخر قرب الفجر استحسانا واحتياطا وإنما قلت ذلك استحسانا ولم نر ذلك واجبا لأنا تأولنا في قوله أصبحت أصبحت قاربت الصباح بدليل قوله ((كلوا واشربوا حتى ينادي بن أم مكتوم)) ولو أذن قبل الفجر لم يؤمروا بالأكل إلى وقت أذانه وقد أجمعوا أن الصيام من أول الفجر وشذ في ذلك عنهم من هو محجوج بهم وتأويل مقاربة الصباح موجودة في الأصول بدليل قوله * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) * [البقرة 231] وهذا معناه قاربن بلوغ أجلهن ولو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن امساكهن بالمراجعة لهن وقد انقضت عدتهن
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»