الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٣٨٨
لما يلحقه من الذعر والخزي عند ذكر الله في الأذان وذكر الله تفزع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر لما فيه من الجهر بالذكر وتعظيم الله فيه وإقامة دينه فيدبر الشيطان لشدة ذلك على قلبه حتى لا يسمع الأذان فإذا قضي النداء أقبل على طبعه وحيلته يوسوس في الصدور ويفعل ما يقدر مما قد سلط عليه حتى إذا ثوب بالصلاة - والتثويب ها هنا الإقامة - أدبر أيضا حتى إذا قضي التثويب - وهو الإقامة كما ذكرت لك - أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيوسوس في صدره ويشغله بذكر ما لا يحتاج إليه ليخلط عليه حتى لا يدري كم صلى وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد وفي هذا الحديث فضل للأذان عظيم ألا ترى أن الشيطان يدبر منه ولا يدبر من تلاوة القرآن في الصلاة بدليل قوله ((فإذا قضي التثويب أقبل)) وحسبك بهذا فضلا لمن تدبر وروى سحنون والحارث بن مسكين عن بن القاسم وبن وهب عن مالك قال استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم وكان معدنا لا يزال يصاب فيه الناس من قبل الجن فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم به ففعلوا فارتفع ذلك عنهم فهم عليه حتى اليوم قال مالك وأعجبني ذلك من رأي زيد بن أسلم وقد ذكرنا في ((التمهيد)) من رواية سفيان الثوري وجرير بن حازم عن سليمان الشيباني عن بشير بن عمرو قال سمعت عمر بن الخطاب يقول إن شيئا من الخلق لا يستطيع أن يتحول في غير خلقه ولكن للجن سحرة كسحرة الإنس فإذا خشيتم شيئا من ذلك فأذنوا بالصلاة وفي رواية الثوري عن الشيباني عن بشير بن عمرو قال ذكرت الغيلان عند عمر بن الخطاب فقال إن شيئا من الخلق لا يستطيع أن يتحول في غير خلقه وذكر تمام الخبر حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم حدثنا محمد حدثنا أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال النبي - عليه السلام - ((إذا نادى المؤذن بالصلاة هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء)) (1) وهي ثلاثون ميلا من المدينة
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»