الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٣٠٨
وليست الآية بالكلمة أو الكلمتين وإنما هي الكلام المجتمع الدال على الإعجاز الجامع لمعنى يستفاد القائم بنفسه ومعلوم أن غسل الجنابة لم يفترض قبل الوضوء فكما انه معلوم عند جميع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم افترضت عليه الصلاة بمكة والغسل من الجنابة وأنه لم يصل قط بمكة إلا بوضوء مثل وضوئه بالمدينة ومثل وضوئنا اليوم وهذا ما لا يجهله عالم ولا يدفعه إلا معاند وفيما ذكرنا دليل على أن آية الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم متلوا في التنزيل ولها نظائر ليس هذا موضع ذكرها وفي قوله في حديث مالك ((فنزلت آية التيمم)) ولم يقل فنزلت آية الوضوء ما يدلك أن الذي طرأ عليهم من العلم في ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء بالماء والله أعلم ومن فضل الله ونعمته على عباده أن نص على حكم الوضوء وهيئته بالماء ثم أخبر بحكم التيمم عند عدم الماء فقال أسيد بن الحضير ((ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر)) وفي قوله ((وليس معهم ماء)) دليل على أنه غير واجب حمل الماء للوضوء وأنه جائز سلوك كل طريق مباح سلوكها وإن عدم الماء في بعضها وأما التيمم فمعناه في اللغة القصد مجملا ومعناه في الشريعة القصد إلى الصعيد خاصة للطهارة للصلاة عند عدم الماء فيضرب عليه بباطن كفيه ثم يمسح بهما وجهه ويديه وقد ذكرنا شواهد الشعر واللغة على لفظ التيمم في التمهيد وأما الصعيد فقيل وجه الأرض وقيل بل التراب خاصة والطيب طاهر لا خلاف في ذلك وأما اختلاف العلماء في الصعيد فقال مالك وأصحابه الصعيد وجه الأرض ويجوز التيمم عندهم على الحصباء والجبل والرمل والتراب وكل ما كان وجه الأرض وقال أبو حنيفة وزفر يجوز أن يتيمم بالنورة والحجر والزرنيخ والجص والطين والرخام وكل ما كان من الأرض وقال الأوزاعي يجوز التيمم على الرمل
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»