ومن قال بهذه المقالة فإلى التعطيل يرجع قولهم، وقد علم العالمون، أن الله قبل أن يخلق خلقه قد كان متخلصا من خلقه، بائنا منهم، فكيف دخل فيهم تبارك وتعالى أن يوصف بهذه الصفة، بل هو فوق العرش كما قال، محيط بالعرش، متخلص من خلقه بين منهم، علمه في خلقه لا يخرجون من علمه.
وقد أخبرنا عز وجل أن العرش كان قبل أن يخلق السماوات والأرض على الماء، وأخبرنا أنه صار من الأرض إلى السماء، ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش فقال جل وعز: (وكان عرشه على الماء) [هود: 7] وقال: (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) [فصلت: 11].
ثم قال جل وعز: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ولا خمسة إلا وهو سادسهم ولا أدنى من ذلك [107 - ب] ولا أكثر إلا وهو معهم) [المجادلة: 7] وقال: (ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم) [الحديد: 4] ففسر العلماء قوله " وهو معكم " يعني: علمه، وقال عز وجل (الرحمن على العرش استوى) [طه: 5] فالله تعالى أستوى على العرش يرى كل شئ في السماوات والأرضين، ويعلم ويسمع كل ذلك بعينه وهو فوق العرش، لا الحجب التي احتجب بها من خلقه يحجبه من أن