أنني عدلت عن هذا المنهج النقدي الواسع لو عروته وعدم ضرورته في غير الأحاديث المرفوعة. كما أن هذه الآثار والأشعار إنما يرفع من قيمتها العلمية، ويطمئن نفوس الباحثين إليها كونها جاءت مسندة موصولة.
ولا شك أن منهج المحدثين معيارهم في القبول والرد اقتضى وضع شروط وموازين حازمة وصارمة، وهي ضرورية لنقد الأحاديث وفرزها وتمييزها لمعرفة صحيحها من سقيمها، وموصولها من مرسلها، ومرفوعها من موقوفها، وكشف عللها وآفاقها. وهذا المنهج لا تصمد أمامه الآثار، والمرويات التاريخية، والنصوص الزهدية، والتربوية، والمقاطيع الشعرية. فإنه قد وقع التساهل عند السلف في رواية وتناقل مثل هذه الأنواع من المرويات، ولم يتشددوا في قبولها وروايتها.
وقد وقفت على كلام نفيس جدا لشيخ الإسلام ابن تيمية نسوقه بنصه لجلالته وأهميته.
يقول الإمام ابن تيمية: " قول أحمد بن حنبل: إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد، وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به، فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي. ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما أو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يتخلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع.
وإنما مرادهم بذلك: أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله، أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع، كتلاوة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والصدقة، والعتق،