أي: هذا باب في قول الله عز وجل: * (عالم الغيب) * الخ ذكر هنا خمس قطع من خمس آيات: الأولى: قوله: * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) * يعني الله عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا، إلا من ارتضى من رسول اختاره فيما يقوله، والرسول إما جميع الرسل أو جبريل، عليه السلام، لأنه المبلغ لهم واختلف في المراد بالغيب فقيل: هو على عمومه، وقيل: ما يتعلق بالوحي خاصة، وقيل: ما يتعلق بعلم الساعة، وهو ضعيف، لأن علم الساعة مما استأثر الله بعلمه، إلا أن ذهب قائل ذلك بأن الاستثناء منقطع وفي الآية رد على المنجمين وعلى كل من يدعي أنه يطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك، لأنه مكذب للقرآن. الآية الثانية: قوله تعالى: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الارحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير) * روي عن مجاهد أن رجلا يقال له: الوارث بن عمرو بن حارثة، من أهل البادية أتى النبي، فسأله عن الساعة ووقتها، وقال إن أرضنا أجدبت، فمتى ينزل الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى فمتى تلد؟ وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم فماذا أعمل غدا؟... فأنزل الله تعالى هذه الآية. الآية الثالثة: في الحجج القاطعة في إثبات العلم لله تعالى، وحرفه صاحب الاعتزال نصرة لمذهبه، فقال: أنزله ملتبسا بعلمه الخاص وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ، ورد عليه بأن نظم العبارات ليس هو نفس العلم القديم بل دال عليه. الآية الرابعة: كالآية الأولى في إثبات العلم. والآية الخامسة: فمعناها لا يعلم متى وقت قيامها غيره، فالتقدير إليه يرد علم وقت الساعة.
قال يحياى: الظاهر على كل شيء علما، والباطن على كل شيء علما.
يحيى هذا هو ابن زياد الفراء النحوي المشهور، ذكر ذلك في كتاب معاني القرآن له، وقال الكرماني: يحيى، قيل: هو ابن زياد بن عبد الله بن منظور الذهلي، وهو الذي نقل عنه البخاري في كتاب معاني القرآن قلت: هو الفراء بعينه ولكن قوله: الذهلي، غلط لأن الفراء ديلمي كوفي مولى بني أسد، وقيل: مولى بني منقر. والظاهر أن هذا من الناسخ، ومات الفراء في سنة سبع ومائتين في طريق مكة وعمره ثلاث وستون سنة، وإنما قيل له: الفراء ولم يكن يعمل الفراء ولا يبيعها، لأنه كان يفري الكلام. ومنظور، بالظاء المعجمة. قوله: الباطن على كل شيء ويروى: الباطن بكل شيء، يعني: العالم بظواهر الأشياء وبواطنها. وقيل: الظاهر أي: دلائله، الباطن بذاته عن الحواس، أي: الظاهر عند العقل الباطن عند الحس وهو تفسير لقوله تعالى: * (هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم) * 7379 حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله.
ا مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث مضى في آخر الاستسقاء فإنه أخرجه هناك عن محمد بن يوسف عن سفيان عن عبد الله بن دينار، ومضى الكلام فيه.
قوله: مفاتيح الغيب استعارة إما مكنية وإما مصرحة، ولما كان جميع ما في الوجود محصورا في علمه شبهه الشارع بالمخازن واستعار لبابها المفتاح، والحكمة في كونها خمسا الإشارة إلى حصر العوالم فيها، ففي قوله: ما تغيض الأرحام إشارة إلى ما يزيد في النفس وينقص، وخص الرحم بالذكر لكون الأكثر يعرفونها بالعادة ومع ذلك ينفي أن يعرف أحد حقيقتها. وفي قوله: ولا يعلم متى يأتي المطر إشارة إلى العالم العلوي، وخص المطر مع أن له أسبابا قد تدل بجري العادة على وقوعه لكنه من غير تحقيق، وفي قوله: ولا تدري نفس بأي أرض تموت إشارة إلى أمور العالم السفلي مع أن عادة أكثر الناس أن يموت ببلده، ولكن ليس ذلك حقيقة، بل لو مات في بلده لا يعلم في أي بقعة يدفن فيها ولو كان هناك مقبرة لأسلافه بل قبر أعده هو له. وفي قوله: ولا يعلم ما في غد إلا الله إشارة إلى أنواع الزمان وما فيها من الحوادث، وعبر بلفظ: غد، لكون حقيقته أقرب الأزمنة، وإذا كان مع قربه لا يعلم حقيقة ما يقع فيه، وفي قوله: ولا يعلم متى تقوم الساعة