عمدة القاري - العيني - ج ٢٤ - الصفحة ٧١
قال شيخنا في شرح الترمذي ثم قال: هذا عند جمهور العلماء، وهو قول مالك والشافعي وأحمد. وفيه حجة على أبي حنيفة وغيره من العراقيين حيث: قالوا: الركاز هو المعدن وجعلوهما لفظين مترادفين. وقد عطف الشارع أحدهما على الآخر، وذكر لهذا حكما غير الحكم الذي ذكره في الأول. انتهى. قلت: المعدن هو الركاز، فلما أراد أن يذكر له حكما آخر ذكره بالاسم الآخر وهو: الركاز، ولو قال: وفيه الخمس بدون أن يقول: وفي الركاز الخمس لحصل الالتباس باحتمال عود الضمير إلى البئر، وقد أورد أبو عمر في التمهيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمر وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كنز وجده رجل: إن كنت وجدته في قرية مسكونة، أو في غير سبيل، أو في سبيل ميتاء فعرفه، وإن كنت وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة أو في غير سبيل ميتاء، ففيه وفي الركاز الخمس. وقال القاضي عياض: وعطف الركاز على الكنز دليل على أن الركاز غير الكنز وأنه المعدن كما يقوله أهل العراق، فهو حجة لمخالف الشافعي. وقال الخطابي: الركاز وجهان: فالمال الذي يوجد مدفونا لا يعلم له مالك ركاز، وعروق الذهب والفضة ركاز. قلت: وعن هذا قال صاحب الهداية الركاز يطلق على المعدن وعلى المال المدفون. وقال أبو عبيد الهروي: اختلف في تفسير الركاز أهل العراق وأهل الحجاز، فقال أهل العراق: هي المعادن، وقال أهل الحجاز: هي كنوز أهل الجاهلية، وكل محتمل في اللغة، والأصل فيه قولهم: ركز في الأرض إذا ثبت أصله.
29 ((باب العجماء جبار)) أي: هذا باب يذكر فيه العجماء جبار، وإنما أعاد ذكر هذا بترجمة أخرى لما فيها من التفاريع الزائدة على البئر والمعدن.
وقال ابن سيرين: كانوا لا يضمنون من النفحة ويضمنون من رد العنان.
أي: قال محمد بن سيرين: كانوا، أي: العلماء من الصحابة والتابعين لا يضمنون بالتشديد من التضمين من النفحة بفتح النون وسكون الفاء وبالحاء المهملة وهي الضربة بالرجل، يقال: نفحت الدابة إذا ضربت برجلها، ويضمنون من رد العنان بكسر العين المهملة وتخفيف النون وهو ما يوضع في فم الدابة ليصرفها الراكب لما يختار، وذلك لأن في الأول لا يمكنه التحفظ بخلاف الثاني، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن هشيم: حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين.
وقال حماد: لا تضمن النفحة إلا أن ينخس إنسان الدابة.
أي: قال حماد بن أبي سليمان الأشعري: واسم أبي سليمان مسلم. قوله: لا تضمن على صيغة المجهول، والنفحة مرفوع به لأنه مفعول قام مقام الفاعل. قوله: إلا أن ينخس بضم الخاء المعجمة وفتحها وكسرها من النخس، وهو غرز مؤخر الدابة أو جنبها بعود ونحوه.
وقال شريح: لا تضمن ما عاقب أن يضربها فتضرب برجلها.
أي: قال شريح بن الحارث الكندي القاضي المشهور. قوله: ما عاقب، يروى بالتذكير والتأنيث، فالمعنى على التذكير لا يضمن ضارب الدابة ما دام في تعاقبها بالضرب، وهي أيضا تضرب برجلها على سبيل المعاقبة أي: المكافأة منها، وأما على معنى التأنيث فقوله: لا تضمن، أي: الدابة بإسناد الضمان إليها مجازا، والمراد ضاربها. قوله: أن يضربها قال الكرماني: أن يضربها فتضرب برجلها إما مجرور بجار مقدر أي: بأن يضربها، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي: بأن يضربها، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي: وهو أن يضربها، وفي قول شريح هذا قلاقة قل من يفسرها كما ينبغي، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة من طريق محمد بن سيرين عن شريح، قال: يضمن السائق والراكب ولا تضمن الدابة إذا عاقبت. قلت: وما عاقبت. قال إذا ضربها رجل فأصابته.
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»