عمدة القاري - العيني - ج ٢٤ - الصفحة ١٣٦
قال أبو عبد الله: فاطر، والبديع والمبتدع والباريء والخالق، واحد.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه، وأشار إلى أن معنى هذه الألفاظ الأربعة واحد، وأشار بالفاطر إلى المذكور في قوله: * (رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض أنت ولى فى الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين) *، وغيرها وقيل: دعوى البخاري الوحدة في معنى هذه الألفاظ ممنوعة عند المحققين، ورد عليه بعضهم بأن البخاري لم يرد بذلك أن حقائق معانيها متوحدة، وإنما أراد أنها ترجع إلى معنى واحد وهو إيجاد الشيء بعد أن لم يكن. قلت: قوله: واحد، ينافي هذا التأويل، ومعنى الفاطر من الفطر وهو الابتداء والاختراع، قاله الجوهري. ثم قال ابن عباس: كنت لا أدري ما معنى * (فاطر السماوات والأرض) * حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: أنا ابتدأتها. قوله: والبديع، معناه الخالق المخترع لا عن مثال سابق، فعيل بمعنى مفعل، يقال: أبدع فهو مبدع وكذا في بعض النسخ مبدع. قوله: والبارىء والخالق، قال الطيبي: قيل: الخالق البارىء المصور ألفاظ مترادفة وهو وهم لأن الخالق من الخلق وأصله التقدير المستقيم، والبارىء مأخوذ من البرء وأصله خلوص الشيء عن غيره، إما على سبيل التقصي منه وعليه قولهم برئ من مرضه، وإما على سبيل الإنشاء منه، ومنه: برأ الله النسمة وهو البارىء لها، وقيل: البارىء هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت والتنافر. قوله: البارىء ويروى: البادىء، وقيل لبعضهم: البارىء بالراء، ولأبي ذر والأكثر: البادىء بالدال بدل الراء والهمز ثابت فيهما، وزعم بعض من عاصرناه من الشراح أن الصواب بالراء ورواية الدال وهم، ورد عليه بعضهم بأنه وقع في بعض طرق الأسماء الحسنى: المبدىء، وفي سورة العنكبوت * (أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده إن ذالك على الله يسير) * ثم قال: * (قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الاخرة إن الله على كل شىء قدير) * فاسم الفاعل من الأول مبدىء ومن الثاني بادىء. انتهى. قلت: في هذا الرد نظر لا يخفى.
من البدو بادئة أشار به إلى ما ذكر آنفا من قوله: * (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هاذا تأويل رؤياى 1764; من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى 1764; إذ أخرجنى من السجن وجآء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى 1764; إن ربى لطيف لما يشآء إنه هو العليم الحكيم) * أي: من البادية. وقد ذكرناه.
7 ((باب رؤيا إبراهيم عليه السلام)) أي: هذا باب في بيان رؤيا إبراهيم الخليل، عليه السلام، كذا وقع لأبي ذر، وسقط لفظ: باب، لغيره.
وقوله تعالى: * (فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى 1764; أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدنى 1764; إن شآء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن ياإبراهيم * قد صدقت الرؤيآ إنا كذلك نجزى المحسنين) * وقوله، مجرور عطف على ما قبله، وسيقت الآيات كلها في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر: * (فلما بلغ منه السعي) * إلى قوله: * (نجزي المحسنين) * وسقط للنسفي قوله: السعي أي: بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه ومعه لا يتعلق ببلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعي ولا بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بيانا كأنه قال: لما قال: فلما بلغ معه السعي قوله: فلما أسلما سيجيء تفسيره، وكذا تفسير قوله: وتله قال مجاهد: أسلما سلما ما أمرا به، وتله وضع وجهه بالأرض وصل الفريابي في تفسيره تعليق مجاهد عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فذكره، وليس في هذا الباب وفي الباب الذي قبله حديث، واكتفى بالقرآن. وقال بعضهم: وقول الكرماني: إنه كان في كل منهما بياض ليلحق به حديثا يناسبه محتمل مع بعده. قلت: لم يقل الكرماني هكذا أصلا وإنما قال: وهذان البابان مما ترجمهما البخاري ولم يتفق له إثبات حديث فيهما.
8 ((باب التواطؤ على الرؤيا))
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»