عمدة القاري - العيني - ج ٢٤ - الصفحة ١٢٨
الإصباح: ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل.
ف هذا الحديث قد مر في أول الكتاب ومضى الكلام فيه مستوفى.
وعائشة لم تدرك هذا الوقت فإما أنها سمعته من النبي أو من صحابي آخر.
وأخرجه هنا من طريقين: أحدهما: عن يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عن الليث بن سعد المصري عن عقيل بضم العين ابن خالد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري والآخر عن عبد الله بن محمد الجعفي المعروف بالمسندي عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري، وكتب بين الإسناد حرف ح إشارة إلى التحويل من إسناد قبل ذكر الحديث إلى إسناد آخر. وقال الكرماني: أو الإشارة إلى صح أو إلى الحائل أو إلى الحديث.
قوله فأخبرني عروة ذكر حرف الفاء إشعارا بأنه روى له حديثا ثم عقبه بهذا الحديث، فهو عطف على مقدر، ووقع عند مسلم: عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق مثله، لكن فيه: وأخبرني، بالواو لا بالفاء. قوله: الصادقة وفي رواية: الصالحة، وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، عليهم السلام. وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة أخص فرؤيا النبي صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة إلى الدنيا، كما وقع في الرؤيا يوم أحد، وأما رؤيا غير الأنبياء، عليهم السلام، فبينهما عموم وخصوص إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، وإن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا. وقيل: الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به من لا يكذب، والصالحة ما يسر. وقال الكرماني: الصالحة ما صلح صورتها أو ما صلح تعبيرها، والصادقة المطابقة للواقع. قوله: جاءت هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: جاءته قوله: فلق الصبح بفتح الفاء: ضوء الصبح وشقه من الظلمة وافتراقها منه. وجه التشبيه بفلق الصبح دون غيره هو أن شمس النبوة كانت الرؤيا مبادئ أنوارها فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس، فمن كان باطنه نوريا كان في التصديق بكريا كأبي بكر، ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل، وبقية الناس بين هاتين المنزلتين كل منهم بقدر ما أعطي من النور. قوله: جراء بكسر الحاء وبالمد وهو الأفصح وحكى بتثليث أوله مع المد والقصر والصرف وعدمه، فتجتمع فيه عدة لغات مع قلة أحرفه ونظيره: قباء، والخطابي جزم بأن فتح أوله لحن وكذا ضمه وكذا قصره، قيل: الحكمة في تخصيصه بالتخلي فيه أن المقيم فيه كانت تمكنه فيه رؤية الكعبة فتجتمع فيه لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت. وقيل: إن قريشا كانت تفعله، وأول من فعل ذلك من قريش عبد المطلب وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه، فتبعه على ذلك من كان يتأله وكان يخلو بمكان جده وسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم. قوله: وهو التعبد تفسير للتحنث الذي في ضمن: يتحنث، وهو إدراج من الراوي. قوله: الليالي ذوات العدد قال الكرماني: الليالي مفعول يتحنث وذوات بالكسر أي كثيرة. وقال الكرماني: الليالي ذوات العدد، يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى العدد، وقال غيره: المراد به الكثرة لأن العدد على قسمين فإذا أطلق أريد به مجموع القلة والكثرة فكأنها قالت ليالي كثيرة، أي: مجموع قسم العدد. قوله: فتزود لمثلهاكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فتزوده، بالضمير. وقوله: لمثلها أي: لمثل الليالي، وقيل: يحتمل أن يكون للمرة أو الفعلة أو الخلوة أو العبادة، وقال بعض من عاصرناه: إن الضمير للسنة فذكر من رواية ابن إسحاق: كان يخرج إلى غار حراء في كل عام شهرا من السنة يتنسك فيه يطعم من جاءه من المساكين. قال: وظاهره التزود لمثلها كان في السنة التي تليها لا لمرة أخرى من تلك السنة، واعترض عليه بعض تلامذته بأن مدة الخلوة كانت شهرا كان يتزود لبعض ليالي الشهر، فإذا نفد ذلك الزاد رجع إلى أهله فيتزود قدر ذلك من جهة أنهم لم يكونوا في سعة بالغة من العيش، وكان غالب زادهم اللبن واللحم، وذلك لا يدخر منه كفاية الشهر لئلا يسرع إليه الفساد، ولا سيما وقد وصف بأنه كان يطعم من يرد عليه. قوله: حتى فجئه الحق كلمة: حتى، هنا على أصلها لانتهاء الغاية، والمعنى: انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك وترك ذلك، وفجئه بفتح الفاء وكسر الجيم وبهمزة فعل ماض أي: جاءه الوحي بغتة، وقال الطيبي: الحق أي: أمر الحق وهو الوحي أو: رسول الحق وهو جبريل،
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»