من باب رمى يرمي، ورقيت فلانا بكسر القاف أرقيه، واسترقى طلب الرقية والكل بلا همز، ومعنى الرقية: التعويذ، بالذال المعجمة، وقال ابن الأثير: الرقية والرقى والاسترقاء: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات. قوله: (بالقرآن) أي: بقراءة شيء من القرآن. قوله: (والمعوذات) من عطف الخاص على العام. قال الكرماني: وكان حقه أن يقول: والمعوذتين لأنهما سورتان فجمع إما لإرادة هاتين السورتين وما يشبههما من القرآن، أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان، ويقال: المراد بالمعوذات: سورة الفلق والناس وسورة الإخلاص 7 لأنه جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي بسورة الإخلاص والمعوذتين، وهو من باب التغليب.
5735 حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عنه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها.
فسألت الزهري: كيف ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه.
مطابقته للترجمة في قوله: (بالمعوذات) وإبراهيم بن موسى بن يزيد الرازي يعرف بالصغير، وهشام هو ابن يوسف الصنعاني، ومعمر بفتح الميمين هو ابن راشد.
والحديث أخرجه في الأدب أيضا عن عبد الله بن محمد. وأخرجه مسلم في الطب عن عبد بن حميد.
قوله: (كان ينفث) بضم الفاء وكسرها والنفث شبه النفخ وهو أقل من التفل والتفل لا بد فيه شيء من الريق. قوله: (في المرض الذي مات فيه) أشارت به عائشة رضي الله عنها إلى أن ذلك وقع في آخر حياته: وأن ذلك لم ينسخ. قوله: (كنت أنفث عنه) وفي رواية الكشميهني: عليه. قوله: (وامسح بيد نفسه) هكذا هو في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: وامسح بيده نفسه، ونفسه منصوب على المفعولية، أي: أمسح بجسده بيده. قوله: (لبركتها) أي: للتبرك بتلك الرطوبة أو الهواء والنفس المباشر لتلك الرقية والذكر، وقد يكون على وجه التفاؤل بزوال الألم عن المريض وانفصاله عنه، كما ينفصل ذلك النفث عن الراقي.
قوله: (فسألت الزهري) السائل هو معمر وهو موصول بالإسناد المذكور.
وفيه: التبرك بالرجل الصالح وسائر أعضائه خصوصا اليد اليمنى.
ثم الكلام هنا على أنواع.
الأول: قال ابن الأثير: وقد جاء في بعض الأحاديث جواز الرقى، وفي بعضها النهي عنها، فمن الجواز قوله صلى الله عليه وسلم استرقوا لها فإن بها النظرة، أي: اطلبوا لها من يرقيها، ومن النهي قوله: لا يسترقون ولا يكتوون، والأحاديث في القسمين كثيرة، ووجه الجمع بينهما أن الرقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقية نافعة لا محالة، فيتكل عليها، وإياها أراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ما توكل من استرقى، ولا يكره منها ما كان بخلاف ذلك، كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرقى المروية. وفي (موطأ مالك) رضي الله عنه: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: إرقيها بكتاب الله، يعني بالتوراة والإنجيل، ولما ذكره ابن حبان ذكره مرفوعا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل... الحديث.
الثاني: هل يجوز رقية الكافر للمسلم؟ فروي عن مالك جواز رقية اليهودي والنصراني للمسلم إذا رقى بكتاب الله، وهو قول الشافعي، وروي عن مالك أنه قال: أكره رقي أهل الكتاب ولا أحبه لأنا لا نعلم هل يرقون بكتاب الله أو بالمكروه الذي يضاهي السحر، وروى ابن وهب أن مالكا سئل عن المرأة ترقي بالحديدة والملح، وعن الذي يكتب الكتاب يعلقه عليه، ويعقد في الخيط الذي يربط به الكتاب سبع عقد، والذي يكتب خاتم سليمان في الكتاب، فكرهه كله مالك، وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس.
الثالث: فيه إباحة النفث في الرقى والرد على من أنكر ذلك من الإسلاميين، وقد روى الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال: إذا رقيت بآي القرآن فلا تنفث. وقال الأسود: أكره النفث، وكان لا يرى بالنفخ بأسا، وكرهه أيضا عكرمة والحكم وحماد، قال أبو عمر: أظن حجة من كرهه ظاهر قوله عز وجل: * (ومن شر النفاثات في العقد) * (الفلق: 4)، وذلك نفث سحر والسحر محرم، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولى، وفيه الخير والبركة.
الرابع: فيه