عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ١٩١
المقصود ما يمكن شربه وهو الماء المنبوذ فيه التمر، ونحوه وكذلك العسل. فإن قلت: قوله: (الحلواء) يشمل العسل وغيره من كل حلو، فما فائدة ذكر العسل بالخصوصية؟ قلت: هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم كما في قوله: تعالى: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمن: 68). ويحتمل أن يكون ذكره للتنبيه على جواز شرب العسل إذ قد يتخيل أن شربه من السرف.
وقال الزهري: لا يحل شرب بول الناس لشدة تنزل لأنه رجس، قال الله تعالى: * (أحل لكم الطيبات) * (المائدة: 5).
قيل: ترجم البخاري على شيء ثم أعقبه بضده، قلت: أراد هذا القائل أن البخاري قال: باب شراب الحلواء والعسل، ثم قال عن الزهري: لا يحل شرب بول الناس إلى آخره، وبينهما تضاد. أقول: مقصود البخاري من إيراد قول الزهري، هو قوله: قال الله تعالى: * (أحل لكم الطيبات) * والحلواء والعسل، وكل شيء يطلق عليه أنه حول من الطيبات، وهذا في معرض التحليل للترجمة غاية ما في ا لباب أنه ذكر أولا عن الزهري مسألة شرب البول تنبيها على أنه ليس من الطيبات، وتعليق الزهري هذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه. قوله: (لشدة) أي: لضرورة، وهذا خلاف ما عليه الجمهور، وتعليله بقوله: (لأنه رجس) أي: لأن البول نجس غير ظاهر، لأن الميتة والدم ولحم الخنزير رجس أيضا مع أنه يجوز التناول منها عند الضرورة. وقالت الشافعية: يجوز التداوي بالبول ونحوه من النجاسات خلا الخمر والمسكرات، وقال مالك: لا يشربها لأنها لا تزيده إلا عطشا وجوعا، وأجاز أبو حنيفة أن يشرب منها مقدار ما يمسك به رمقه.
وقال ابن مسعود في السكر: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.
الذي قيل في إيراد أثر الزهري قيل: هنا أيضا: والجواب من جهة الزهري قد مر، وأما الجواب عن إيراده أثر ابن مسعود هنا، فهو أنه أشار بذكر هذا إلى قوله تعالى: * (فيه شفاء للناس) * (النحل: 69). فدل على ضده أن الله لم يجعل الشفاء فيما حرمه، وأما تعيين السكر هنا من دون سائر المحرمات من هذا الجنس فهو أن ابن مسعود سئل عن ذلك على التعيين، فلذلك قال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم، وأوضح ذلك علي بن حرب الطائي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل، قال: اشتكى رجل منا يقال له: خيثم بن العدا داء ببطنه يقال له الصفر، فنعت له السكر، فأرسل إلى ابن مسعود يسأله فذكره، وأخرجه ابن أبي شيبة عن جرير عن منصور وسنده صحيح على شرط الشيخين، فهذا وجه تعيين السكر في هذا الأثر، والسكر بفتحتين الخمر فيما نقله ابن التين عن بعضهم، وقيل: هو نبيذ التمر إذا اشتد، وقيل: المراد من السكر والمسكر، وقال صاحب (الهداية) ونقيع التمر وهو السكر، ونقيع الزبيب إذا اشتد، وغلا عد هذين القسمين من أنواع الأشربة المحرمة الأربعة، وعد قبلهما اثنين آخرين، وهما الخمر والطلاء وفي (المحيط) والمتخذ من التمر ثلاثة: السكر والفضيخ والنبيذ، وقال أبو الحسن: إن كان البخاري أراد سكر الأشربة فيمكن أن يكون سقط من الكلام، شيء، وهو ذكر السؤال عن ذلك، وإن كان أراد السكر بفتح السين وسكون الكاف، فهو الذي يسد به النهر فيكون السؤال من ابن مسعود عن السكر عند التداوي بشيء من المحرمات، فقال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.
5614 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أبو أسامة، قال: أخبرني هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعجبه الحلواء والعسل.
هذا يطابق الترجمة من غير تعسف، وعلي بن عبد الله هو ابن المديني، وأبو أسامة هو حماد بن أسامة يروي عن هشام بن عروة، يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة. والحديث قد مر في كتاب الأطعمة في باب الحلواء والعسل، ومر الكلام فيه هناك.
16 ((باب الشرب قائما)) أي: هذا باب في بيان حكم الشرب حال كونه قائما، وقال ابن بطال: أشار بهذه الترجمة إلى أن الأحاديث الواردة في كراهة الشرب قائما لم تصح عنده، وقال بعضهم: ليس بجيد، بل إذا تعارضت عنده الأحاديث لا يتعرض إلى الحكم.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»