عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٣٠٦
ولا تحتسب به لمن بعده.
إبراهيم هو النخعي، وهذه مسألة اجتماع العدتين، فنقول أولا: إن العلماء مجمعون بن علي أن الناكح في العدة يفسخ نكاحه ويفرق بينهما، فإذا تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض بانت من الأول لأنها عدتها منه. قوله: (ولا تحتسب به) أي لا تحتسب هذه المرأة بهذا الحيض لمن بعده أي: بعد الزوج الأول، بل تعتد عدة أخرى للزوج الثاني، هذا قول إبراهيم رواه ابن أبي شيبة عن عبدة بن أبي سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عنه، وروى المدنيون عن مالك: إن كانت حاضت حيضة أو حيضتين من الأول أنها تتم بقية عدتها منه ثم تستأنف عدة أخرى من الآخر، بن علي ما روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وهو قول الليث والشافعي وأحمد وإسحاق. وروى ابن القاسم عن مالك: أن عدة واحدة تكون لهما جميعا، وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه.
وقال الزهري: تحتسب، وهذا أحب إلى سفيان، يعني: قول الزهري.
أي: قال محمد بن مسلم الزهري: تحتسب هذا الحيض فيكون عدة لهما، كما ذكرنا الآن، وهذا أي قول الزهري أحب إلى سفيان الثوري وحجة الزهري ومن تبعه في هذا إجماعهم أن الأول لا ينكحها في بقية العدة من الثاني، فدل بن علي أنها في عدة من الثاني، ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه، وحجة الأولين أنهما حقان قد وجبا عليها لزوجين كسائر الحقوق لا يدخل أحدهما في صاحبه.
وقال معمر: يقال: أقرأت المرأة إذا دنا حيضها، وأقرأت إذا دنا طهرها، ويقال: ما قرأت بسلى قط: إذا لم تجمع ولدا في بطنها.
معمر بفتح الميمين وسكون العين هو أبو عبيدة بن المثنى مات سنة عشر ومائتين. قوله: (يقال: أقرأت المرأة) غرضه أن القرء يستعمل بمعنى الحيض والطهر، يعني: هو من الأضداد، واختلف العلماء في الأقراء التي تجب بن علي المرأة إذا طلقت، فقال الضحاك والأوزاعي والثوري والنخعي وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود ومجاهد وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعكرمة ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة والشعبي والربيع، ومقاتل بن حبان والسدي ومكحول وعطاء الخراساني: الإقراء الحيض، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في أصح الروايتين وإسحق، وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وأبي بن كعب وأبي موسى الأشعري، رضي الله تعالى عنهم، وقال سالم والقاسم وعروة وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبان ابن عثمان والزهري وبقية الفقهاء السبعة ومالك والشافعي وأبو ثور وداود وأحمد في رواية: الأقراء هي الأطهار، وروي عن أن عباس وزيد بن ثابت، وقال أبو عمر، وهو قول عائشة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر: فالمطلقة عندهم تحل للأزواج بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة، وسواء بقي من الطهر الذي طلقت فيه المرأة يوم واحد أو أكثر أو ساعة واحدة فإنها تحتسب به المرأة قرءا. وقالت الطائفة الأولى: المطلقة لا تحل للأزواج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وطائفة أخرى توقفوا في الأقراء هل هي حيض أم أطهار؟ وهم: سليمان بن يسار وفضالة بن عبيد وأحمد في رواية. قوله: (ويقال: ما قرأت بسلى) بكسر السين المهملة وبالقصر، وهي الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي، معناه: لم تضم رحمها بن علي ولد. وأشار بهذا إلى أن القرء جاء بمعنى الجمع والضم أيضا. وقال الأصمعي: القرء بضم القاف، وقال أبو زيد بفتح القاف، وأقرأت المرأة إذا استقر الماء في رحمها، وقعدت المرأة أيام إقرائها أي: أيام حيضها. وقال أبو عمر: أصل القرء في اللغة الوقت والطهر والحمل والجمع، وقال ثعلب: القروء الأوقات والواحدة قرء، وهو الوقت وقد يكون حيضا ويكون طهرا، وقال قطرب: تقول العرب: ما أقرأت الناقة سلا قط، أي: لم ترم به، وأقرأت الناقة قرءا، وذلك معاودة الفحل إياها، وأن كل ضراب، وقالوا أيضا: قرأت المرأة قرءا إذا حاضت وطهرت، وقرأت أيضا إذا حملت، وقيل: هو من الأسماء المشتركة، وقيل: حقيقة في الحيض، مجاز في الطهر.
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»