عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٨٦
0905 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فأظفر بذات الطين تربت يداك.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (ولدينها) ولا سيما أمر فيه بطلب ذات الدين ودعا له أو عليه بقوله (تربت يداك) إذا ظفر بذات الدين وطلب غيرها، وإنما قلنا: له أو عليه، لاستعمال تربت يداك في النوعين بن علي ما نذكر الآن.
ويحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله بن عمر العمري، وسعيد بن أبي سعيد المقبري يروي عن أبيه أبي سعيد واسمه كيسان عن أبي هريرة.
والحديث أخرجه مسلم في النكاح أيضا عن محمد وغيره. وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد به. وأخرجه النسائي فيه عن عبيد الله بن سعيد به وأخرجه ابن ماجة عن يحيى بن حكيم.
قوله: (تنكح المرأة) بن علي صيغة المجهول، والمرأة مرفوع به. قوله: (لأربع) أي: لأربع خصال. قوله: (لمالها) لأنها إذا كانت صاحبة مال لا تلزم زوجها بما لا يطيق ولا تكلفه في الإنفاق وغيره، وقال المهلب: هذا دال بن علي أن للزوج الاستمتاع بمالها فإنه يقصد لذلك فإن طابت به نفسا فهو له حلال، وإن منعته فإنما له من ذلك بقدر ما بذل من الصداق. واختلفوا إذا أصدقها وامتنعت أن تشتري شيئا من الجهاز؟ فقال مالك: ليس لها أن تقضي به دينها، وأن تنفق منه ما يصلحها في عرسها، إلا أن يكون الصداق شيئا كثيرا فتنفق منه شيئا يسيرا في دينها. وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي: لا تجبر بن علي شراء ما لا تريد، والمهر لها تفعل فيه ما شاءت. قوله: (ولحسبها) هو إخباره عن عادة الناس في ذلك، والحسب ما يعده الناس من مفاخر الآباء، ويقال: الحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده بن علي غيره، وقيل: المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة، وقيل: المال، وهذا ليس بشيء لأن المال ذكر قبله. قوله: (وجمالها) لأن الجمال مطلوب في كل شيء ولا سيما في المرأة التي تكون قرينته وضجيعته. قوله: (ولدينها) لأنه به يحصل خير الدنيا والآخرة، واللائق بأرباب الديانات وذوي المروآت أن يكون الدين مطمح نظرهم في كل شيء، ولا سيما فيما يدوم أمره، ولذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم بآكدوجه وأبلغه، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية، فلذلك قال: (فاظفر بذات الدين) فإن بها تكتسب منافع الدارين (تريت يداك) إن لم تفعل ما أمرت به. وقال الكرماني: (فاظفر) جزاء شرط محذوف أي: إذا تحققت تفصيلها فاظفر أيها المسترشد بها .
واختلفوا في معنى (تربت يداك). فقيل: هو دعاء في الأصل، إلا أن العرب تستعملها للإنكار والتعجب والتعظيم والحث بن علي الشيء، وهذا هو المراد به ههنا، وفيه الترغيب في صحبة أهل الدين في كل شيء، لأن من صاحبهم يستفيد من أخلاقهم ويأمن المفسدة من جهتهم. وقال محي السنة: هي كلمة جارية بن علي ألسنتهم كقولهم: لا أب لك، ولم يريدوا وقوع الأمر، وقيل: قصده بها وقوعه لتعدية ذوات الدين إلى ذوات المال ونحوه، أي: تربت يداك إن لم تفعل ما قلت لك من الظفر بذات الدين، وقيل: معنى تربت يداك أي لصقت بالتراب، وهو كناية عن الفقر. وحكي ابن العربي أن معناه. استغنت يداك، ورد بأن المعروف: أترب إذا استغنى، وترب إذا افتقر، وقيل: معناه ضعف عقلك، وقال القرطبي: معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي ترغب في نكاح المرأة لا أنه وقع الأمر بذلك، بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك، لكن قصد الدين أولى. قال: ولا يظن أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة؟ أي: تنحصر فيها. فإن ذلك لم يقل به أحد وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي؟ انتهى. وقال المهلب: الأكفاء في الدين هم المتشاكلون وإن كان في النسب تفاضل بين الناس، وقد نسخ الله ما كانت تحكم به العرب في الجاهلية من شرف الأنساب بشرف الصلاح في الدين، فقال: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 31) وقال ابن بطال: اختلف العلماء في الأكفاء منهم فقال مالك: في الدين دون غيره والمسلمون أكفاء بعضهم لبعض، فيجوز أن يتزوج العربي والمولي القرشية، روي ذلك عن عمر وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين، واستدلوا بقوله تعالى: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (الحجرات: 31) وبحديث سالم وبقوله صلى الله عليه وسلم: عليك بذات الدين، وعزم عمر رضي الله تعالى عنه، أن يزوج ابنته من سلمان، رضي الله عنه، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند) فقالوا يا رسول الله!
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»