عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٩٤
ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم * (وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) * (البقرة: 136) الآية.
مطابقته للآية في قوله: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم) * إلى قوله: * (ونحن له مسلمون) *. والحديث ذكره البخاري أيضا في الاعتصام وفي التوحيد عن محمد بن بشار أيضا. وأخرجه النسائي في التفسير أيضا عن محمد بن المثنى.
قوله: (كان أهل الكتاب)، أي: من اليهود. قوله: (لا تصدقوا)، إلى آخره، يعني: إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه، أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج، ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه. وقال الخطابي: هذا الحديث أصل في وجوب التوقف عما يشكل من الأمور فلا يقضي عليه بصحة أو بطلان ولا بتحليل وتحريم، وقد أمرنا أن نؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء، عليهم السلام، إلا أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم صحيح ما يحكونه عن تلك الكتب من سقيمه، فنتوقف فلا نصدقهم لئلا نكون شركاء معهم فيما حرفوه منه، ولا نكذبهم فلعله يكون صحيحا فنكون منكرين لما أمرنا أن نؤمن به، وعلى هذا كان يتوقف السلف عن بعض ما أشكل عليهم وتعليقهم القول فيه كما سئل عثمان رضي الله عنه، عن الجمع بين الأختين في ملك اليمين، فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، وكما سئل ابن عمر عن رجل نذر أن يصوم كل اثنين، فوافق ذلك اليوم يوم عيد، فقال: أمر الله بالوفاء بالنذر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن صوم يوم العيد، فهذا مذهب من يسلك طريق الورع وإن كان غيرهم قد اجتهدوا واعتبروا الأصول فرجحوا أحد المذهبين على الآخر، وكل على ما ينويه من الخير ويؤمه من الصلاح مشكور.
12 ((باب: * (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * (البقرة: 142).
وفي بعض النسخ: باب قوله تعالى: * (سيقول السفهاء) * ولكن في رواية أبي ذر إلى قوله: * (ما ولاهم عن قبلتهما) * فقط، والسفهاء جمع سفيه. قال الزمخشري: سيقول السفهاء أي: خفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة وأنهم لا يرون النسخ، وقيل: المنافقون بحرصهم على الطعن والاستهزاء، وقيل: المشركون. قالوا: رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها والله ليرجعن إلى دينهم. قوله: (ما ولاهم) أي: أي شيء رجعهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وهو بيت المقدس، قل يا محمد (لله المشرق والمغرب)، أي: بلاد الشرق والغرب والأرض كلها، وهذا جواب لهم أي الحكم والتصرف في الأمر كلمة لله * (فأينما تولوا فثم وجه الله) * فيأمرهم بالتوجه إلى أي جهة شاء، وقيل: أراد بالمشرق الكعبة لأن المصلي بالمدينة إذا توجه إلى الكعبة فهو متوجه للمشرق، وأراد بالمغرب بيت المقدس لأن المصلي في المدينة إلى بيت المقدس متوجه جهة المغرب.
13 - (حدثنا أبو نعيم سمع زهيرا عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله * (وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم) مطابقته للآية ظاهرة وأبو نعيم الفضل بن دكين وزهير تصغير زهر ابن معاوية وأبو إسحق عمرو بن عبد الله السبيعي والبراء هو ابن عازب رضي الله تعالى عنه والحديث مضى في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان فإنه أخرجه هناك بأتم
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»