عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٢٧٣
حمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام ولدفع العار عنه وعن عشيرته فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك. قوله: (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي) عليه قوله: (أتصلي عليه) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار قوله: (وقد) الواو وفيه للحال. قوله: (نهاك ربك أن تصلي عليه) قال الكرماني: أين نهاه ونزول قوله: * (ولا تصل على أحد منهم) * (التوبة: 84) بعد ذلك؟ فأجاب بقوله: لعل عمر استفاد النهي من قوله تعالى: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * (التوبة: 113) أو من قوله: * (أن تستغفر لهم) * فإنه إذا لم يكن للاستغفار فائدة المغفرة يكون عبثا فيكون منهيا عنه وقال القرطبي: لعل ذلك وقع في خاطر عمر، رضي الله تعالى عنه، فيكون من قبيل الإلهام. قوله: (إنما خيرني الله) أي: بين الاستغفار وتركه. قوله: (وسأزيد) حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد السبعين على حقيقته، وحمله عمر، رضي الله تعالى عنه، على المبالغة. وقال الخطابي: فيه حجة لمن أرى الحكم بالمفهوم لأنه جعل السبعين بمنزلة الشرط فإذا جاوز هذا العدد كان الحكم بخلافه، وكان رأي عمر التصلب في الدين والشدة على المنافقين، وقصد، عليه الصلاة والسلام، الشفقة على من تعلق بطرف من الدين والتألف لابنه ولقومه، فاستعمل أحسن الأمرين وأفضلهما. قوله: (إنه منافق) إنما جزم بذلك جريا على ما كان اطلع عليه من أحواله ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: وصلى الله عليه وسلم إجراء له على ظاهر حكم الإسلام، وذهب بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بصحيح لمخالفته الأحاديث الصحيحة المصرحة بما ينافي في ذلك، وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة قال: فأنزل الله تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * قال: فذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: وما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه، قوله: (فأنزل الله تعالى) إلى آخره: زاد مسدد في حديثه عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر في آخره: فترك الصلاة عليهم، وفي حديث ابن عباس: فصلى عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت، وزاد ابن إسحاق في (المغازي) في حديث الباب: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله تعالى.
4671 ح دثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل وقال غيره حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا قال أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) * إلى قوله: * (وهم فاسقون) * قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم.
أخرج الحديث المذكور من وجه آخر عن ابن عباس عن عمر، رضي الله تعالى عنه، ومضى الحديث في الجنائز. وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير أيضا وأخرجه النسائي أيضا في الجنائز.
قوله: (وقال غيره)، الغير هو عبد الله بن صالح كاتب الليث. قوله: (سلول)، بفتح السين المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها الأم اسم أم عبد الله، وهي خزاعية، وعبد الله من الخزرج أحد قبيلة الأنصار. قوله: (ابن سلول)، بالرفع لأنه صفة عبد الله لا صفة أبي. قوله: (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان ذلك تعجبا من صلابة عمر، رضي الله تعالى عنه، وبغضه للمنافقين قيل: لم يكن صلى الله عليه وسلم، يتبسم عند شهود الجنائز
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»