عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ٥٥
وجهادنا معه وعملنا كلنا معه برد لنا وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس فقال أبي لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا وأسلم على أيدينا بشر كثير وإنا لنرجو ذالك فقال أبي لاكني أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك برد لنا وأن كل شيء عملناه بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس فقلت إن أباك والله خير من أبي.
مطابقته للترجمة في قوله: (وهجرتنا معه). ويحيى بن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: أبو زكريا البلخي وكان من عباد الله الصالحين، وروح بفتح الراء ابن عبادة، بضم العين، وعوف هو الأعرابي، وأبو بردة بضم الباء الموحدة اسمه عامر، وأبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري.
قوله: (وعملنا كلنا) ويروى: كله. قوله: (برد) بلفظ الماضي، أي: ثبت وسلم لنا، يقال: برد لي على الغريم حق أي: ثبت، ويقال: ما برد على فلان فعلي، وفي رواية سعيد بن بردة: خلص، بدل: برد، قوله: (كفافا) أي: سواء بسواء، كذا فسره بعضهم. وقال الكرماني: أي: لا لي ولا علي. أي: لا موجبا للثواب ولا للعقاب. قلت: التحقيق فيه أن الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة، وهو نصب على الحال، وقيل: أراد به مكفوفا عني شرها، وقيل: معناه أن لا ينال مني ولا أنال منه، أي: يكف عني وأكف عنه. قوله: (فقال أبي: لا، والله)، كذا وقع، والصواب: فقال أبوك، لأن ابن عمر هو الذي يحكى لأبي بردة ما دار بين عمر وأبي موسى، وقد وقع في رواية النسفي على الصواب ولفظه: فقال أبوك: لا والله. قوله: (فقال أبي: لكني...) إلى آخره، كلام عمر، رضي الله تعالى عنه. وهذا ليس قطعا للرجاء، وإنما قال عمر، رضي الله تعالى عنه ما قال هضما لنفسه أو لما رأى أن الإنسان لا يخلو عن تقصير ما في كل خير يعمله، أراد أن يقع التقاص بينهما ويبقى هو في الدين سالما. قوله: (فقلت)، القائل هو أبو بردة، خاطب بذلك ابن عمر. قوله: (خير من أبي)، وفي رواية سعيد بن أبي بردة: أفقه من أبي.
3916 حدثني محمد بن صباح أو بلغني عنه حدثنا إسماعيل عن عاصم عن أبي عثمان النهدي قال سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا قيل له هاجر قبل أبيه يغضب قال وقدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه قائلا فرجعنا إلى المنزل فأرسلني عمر وقال اذهب فانظر هل استيقظ فأتيته فدخلت عليه فبايعته ثم انطلقت إلى عمر فأخبرته أنه قد استيقظ فانطلقنا إليه نهرول هرولة حتى دخل عليه فبايعه ثم بايعته.
مطابقته للترجمة في قوله: (هاجر). ومحمد بن الصباح بتشديد الباء الموحدة: الدولابي البزار بمعجمتين نزيل بغداد وإسماعيل هو ابن علية، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وأبو عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل، وهؤلاء كلهم بصريون.
قوله: (أو بلغني عنه)، قال الكرماني: هو نوع من الرواية عن المجهول، وقيل: يحتمل أن يكون الذي بلغه عنه هو عباد بن الوليد أبو بدر الغبري، بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة الخفيفة، لأن أبا نعيم أخرجه في (مستخرجه) من طريقه عن محمد بن الصباح بلفظ: إذا قيل له، أي: لابن عمر (هاجر قبل أبيه يغضب) يعني: يتكلم بكلام الغضبان، وكان سبب غضبه أن لا يرفع فوق قدره ولا ينافس والده، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر أنه، كان يقول: لعن الله من يزعم أني هاجرت قبل أبي، إنما قدمني في ثقله، وفي إسناده ضعف، والجواب الذي قاله هنا أصح منه. قوله: (قدمت أنا وعمر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم) أراد عند البيعة، قيل: لعلها بيعة الرضوان، وزعم الداودي أنها بيعة صدرت حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة. قيل: فيه بعد لأن ابن عمر لم يكن حينئذ في نسق من يبايع، وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد فلم يجزه، فيحتمل أن تكون البيعة حينئذ على غير القتال. قوله: (قائلا) من القيلولة. قوله: (هرولة) وهي: السير بين المشي على مهل والعدو.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»