عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٢٩٤
ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الجعفري العامري، شاعر من فحول الشعراء مفلق متقدم في الفصاحة مجيد فارس جواد حكيم، يكنى أبا عقيل مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وهو عند ابن سلام من الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية، وفد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنة وفد بني جعفر فأسلم وحسن إسلامه، وقال ابن قتيبة: قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في وفد كلاب وكان شريفا في الجاهلية والإسلام، مات بالكوفة في إمارة الوليد بن عقبة عليها في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه. وقال مالك بن أنس: بلغني أنه عاش مائة وأربعين سنة، وقيل: مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة، وقال أكثر أهل العلم بالأخبار: لم يقل شعرا منذ أسلم، وأما أمية فهو ابن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة ابن عوف بن عقدة بن غيرة بن ثقيف أبو عثمان، ويقال: أبو الحكم، قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل: إنه كان صالحا. وقال الواقدي: وكان قد تنبأ في الجاهلية في أول زمانه، وأنه كان في أول عمره على الإيمان، ثم زاغ عنه وأنه هو الذي أراد الله بقوله: * (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) * (الأعراف: 571). الآية. وكان شاعرا مجيدا، إلا أنه لقراءته الكتب المنزلة كان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب، فلذلك كانت العلماء لا تحتج بشعره، وقال أبو الفرج: وقيل: لما بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم أخذ أمية ابنيه وهرب بهما إلى اليمن، ثم عاد إلى الطائف ومات في السنة الثانية من الهجرة.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: أبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين. الثاني: سفيان بن عيينة. الثالث: عبد الملك بن عمير الكوفي. الرابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن. الخامس: أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن ابن بشار وفي الرقاق عن محمد بن المثنى. وأخرجه مسلم في الشعر عن محمد بن الصباح وعن جماعة آخرين. وأخرجه الترمذي في الاستيذان عن علي بن حجر وفي الشمائل عن محمد بن بشار وأخرجه ابن ماجة في الأدب عن محمد بن الصباح.
ذكر معناه: قوله: (أصدق كلمة)، أصدق أفعل التفضيل تدل على المبالغة في الصدق، وفي رواية البخاري ومسلم: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد... إلى آخره، وروينا هذه الرواية أيضا من طريق الترمذي، وقد رويت هذه اللفظة بألفاظ مختلفة: أصدق بيت قاله الشاعر، وإن أصدق بيت قالته الشعراء، وكلها في (الصحيح)، ومنها: أشعر كلمة قالتها العرب، قاله ابن مالك في (شرحه للتسهيل) وكلها من وصف المعاني مبالغة بما يوصف به الأعيان كقولهم: شعر شاعر، خوف خائف، وموت مائت، ثم يصاغ منه أفعل باعتبار ذلك المعنى، فيقال: شعرك أشعر من شعره وخوفي أخوف من خوفه. قوله: (كلمة)، فيه إطلاق الكلمة على الكلام، وهو مجاز مهمل عند النحويين مستعمل عند المتكلمين، وهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه على سبيل التوسع. قوله: (ألا كل شيء) كلمة: ألا، حرف استفتاح فتصدر بها الجملة الإسمية والفعلية، ولفظ: كل، إذا أضيف إلى النكرة يقتضي عموم الأفراد، وإذا أضيف إلى المعرفة يقتضي عموم الأجزاء، يظهر ذلك في: كل رمان مأكول، وكل الرمان مأكول، فالأول صحيح دون الثاني. قوله: (ما خلا الله)، كلمة: خلا وعدا، إذا وقعا صلة: لما، المصدرية وجب أن يكونا فعلين، لأن الحرف لا يوصل بالحرف، فوجب أن يكونا فعلين، فوجب النصب، ولفظة: الله، منصوبة بقوله: خلا. وقوله: (كل شيء) مبتدأ. وقوله: (باطل) خبره، ومعناه: ذاهب، من بطل الشيء يبطل بطلا وبطلا وبطولا وبطلانا، ومعناه: كل شيء سوى الله تعالى زائل فائت مضمحل ليس له دوام. فإن قلت: الطاعات والعبادات حق لا محالة، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في الليل: أنت الحق وقولك الحق والجنة والنار حق فكيف توصف هذه الأشياء بالبطلان. قلت: المراد من قوله: (ما خلا الله) أي: ما خلاه، وخلا صفاته الذاتية والفعلية من رحمة وعذاب وغير ذلك، وجواب آخر: الجنة والنار إنما يبقيان بإبقاء الله لهما وخلق الدوام لأهلهما. وكل شيء سوى الله يجوز عليه الزوال لذاته، وكل شيء لا يزول فبإبقاء الله تعالى والنصف الأخير للبيت.
وكل نعيم لا محالة زائل وهو من قصيدة من الطويل وجملتها عشرة أبيات ذكرناها في (شرح الشواهد الكبرى) وتكلمنا بما فيه الكفاية. قوله: (وكاد أمية بن أبي الصلت)، ولفظة: كاد، من أفعال المقاربة، وهو ما وضع لدنو الخبر رجاء أو حصولا، وأخذا فيه، تقول
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»