وأما سيرته فقد ذكرنا عن قريب أنه أحد العشرة المبشرة بالجنة وأنه شهد جميع مشاهد النبي وكان عليه يوم بدر ملاءة صفراء فنزلت الملائكة على سيمائه وثبت مع النبي يوم أحد وبايعه على الموت وقال مصعب بن الزبير قاتل أبي مع رسول الله وعمره اثنا عشر سنة وقال الزبير بن بكار بإسناده عن الأوزاعي قال كان للزبير ألف مملوك يودون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم بل يتصدق بها وقال الزبير بن بكار بإسناده عن جويرية قالت باع الزبير دارا بستمائة ألف فقيل له غبنت فقال كلا والله لتعلمن أنني لم أغبن هي في سبيل الله وروي عن هشام بن عروة فقال أوصى إلى الزبير جماعة من الصحابة منهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود والمقداد وكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أولادهم من ماله وكان الزبير رجلا ليس بالقصير ولا بالطويل إلى الخفة ما هو في اللحم ولحيته خفيفة أسمر اللون أشعر وحكى الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال ربما أخذت بالشعر على منكب الزبير وأنا غلام فأتعلق به على ظهره وحكى أبو اليقظان عن هشام بن عروة قال كان جدي الزبير إذا ركب تخط الأرض رجلاه ولا يغير شيبه. واختلفوا في سنه حكى ابن سعد عن الواقدي بإسناده إلى عروة بن الزبير قال قتل أبي يوم الجمل وقد زاد على الستين بأربع سنين وحكى ابن الجوزي في الصفوة ثلاثة أقوال. أحدها أنه قتل وهو ابن بضع وخمسين سنة. والثاني ابن ستين سنة. والثالث ابن خمسة وستين (ذكر معاني الحديث) قوله ' قلت لأبي أسامة أحدثكم هشام بن عروة ' لم يذكر جواب الاستفهام وقد ذكره في مسنده إسحق بن إبراهيم بن راهويه بهذا الإسناد وقال في آخره نعم قوله (يوم الجمل) يعني يوم وقعة كانت بين علي وعائشة رضي الله تعالى عنهما وهي في هودج على جمل كما ذكرناه وكانت الوقعة على باب البصرة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وإنما أضيفت الوقعة إلى الجمل لكون عائشة عليه وهذا الحرب كان أول حرب وقعت بين المسلمين قوله ' لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ' قال ابن بطال معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه لأن كلا الفريقين كان يتأول أنه على الصواب وقال ابن التين معناه أنهم إما صحابي متأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقال الكرماني المراد ظالم أهل الإسلام هذا لفظ الكرماني في شرحه وقال بعضهم قال الكرماني أن قيل جميع الحروب كذلك فالجواب أنها أول حرب وقعت بين المسلمين ثم قال قلت ويحتمل أن يكون أو للشك من الراوي وأن الزبير إما قال لا يقتل اليوم إلا ظالم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل للظالم منهم العقوبة أو لا يقتل اليوم إلا مظلوم بمعنى أنه ظن أن يعجل له الشهادة وظن على التقديرين أنه كان يقتل مظلوما إما لاعتقاده أنه كان مصيبا وإما لأنه كان سمع من النبي ما سمع علي رضي الله تعالى عنه وهو قوله لما جاءه قاتل الزبير بشر قاتل ابن صفية بالنار ورفعه إلى النبي كما رواه أحمد وغيره من طريق زرين حبيش عن علي بإسناد صحيح انتهى قلت الأصل أن لا تكون أو للشك والاحتمال لا يثبت ذلك وكلمة أو على معناه للتقسيم هنا لأن المقتول يومئذ لم يكن إلا من أحد القسمين على ما ذكره ابن بطال * وأيضا إنما أراد الزبير بقوله هذا أن تقاتل الصحابة ليس كتقاتل أهل البغي والعصبية لأن القاتل والمقتول منهم ظالم لقوله ' إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ' لأنه لا تأويل لواحد منهم يعذر به عند الله ولا شبهة له من الحق يتعلق بها فليس أحد منهم مظلوما بل كلهم ظالم وكان الزبير وطلحة وجماعة من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم خرجوا مع عائشة لطلب قتلة عثمان وإقامة الحد عليهم ولم يخرجوا لقتال علي لأنه لا خلاف بين الأمة أن عليا كان أحق بالإمامة من جميع أهل زمانه وكان قتلة عثمان لجؤا إلى علي رضي الله تعالى عنه فرأى علي أنه لا ينبغي إسلامهم للقتل على هذا الوجه حتى يسكن حال الأمة وتجري الأشياء على وجوهها حتى ينفذ الأمور على ما أوجب الله عليه فهذا وجه منع علي رضي الله عنه المطلوبين بدم عثمان فكان ما قدر الله مما جرى به القلم في الأمور التي وقعت وقال الزبير لابنه ما قال لما رأى من شدة الأمر وأنهم لا ينفصلون إلا عن تقاتل فقال لا أراني إلا سأقتل مظلوما لأنه لم ينو على قتال ولا عزم عليه ولما التقى الجمعان فر فتبعه ابن جرموز فقتله في طريقه كما ذكرنا قوله ' وإني لأراني ' بضم الهمزة أي لا أظن ويجوز بفتح الهمزة بمعنى لا أعتقد وقد
(٥١)