أصابه بعد السبعين من عمره، وعن ابن عباس: سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات، وقال الحسن: مكث أيوب مطروحا على كناسة مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا، وقال الطبري وابن الجوزي، رحمهم الله تعالى: كان عمره حين مات ثلاثا وتسعين سنة، وقيل: عاش مائة وستا وأربعين سنة، ودفن في الموضع الذي ذهب فيه بلاؤه، وهو بالبثنية بالشام، وقبره ظاهر بها.
اركض اضرب يركضون يعدون أشار به إلى ما في قوله تعالى في قصة أيوب عليه السلام: * (أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) * (ص 1764;: 24). المعنى: اضرب برجلك الأرض وحرك هذا مغتسل فيه إضمار معناه، فركض فنبعت عين، فقيل: هذا مغتسل أي: هذا ماء مغتسل بارد وشراب أي: يغتسل به ويشرب منه، ولما أمره الله بذلك ركض برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل فيها فلم يبق عليه شيء من الداء وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان، ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج فقام صحيحا وكسي حلة. وقال السدي: جاء جبريل، عليه السلام، بحلة من الجنة فألبسها. فإن قلت: كان يكفيه ركضة واحدة؟ قلت: الركضة الأولى لزوال الضرر. والثانية: دليل الفرح والطرب بالعافية بشربة منها، وإنما خص الرجل بالركض لأن العادة جارية بأن تنبع الماء من تحت الرجل فكان ذلك معجزة له. قوله: (يركضون) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (إذا هم منها يركضون) * (الأنبياء: 21). وفسره بقوله: يعدون، وفسره الفراء بقوله: يهربون، ووجه ذكر هذا كون: أركض ويركضون، من مادة واحدة.
1933 حدثني عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فنادي ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك. (انظر الحديث 972 وطرفه).
مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث أن عقيب قوله: * (ربي إني مسني الضر) * (الأنبياء: 38). جاء الوحي بقوله: * (اركض برجلك) * (ص 1764;: 24). فركض فنبع الماء فاغتسل فيه، وهو عريان، فنزل عليه رجل جراد، ورواة هذا قد مروا غير مرة.
والحديث مر في الطهارة في: باب من اغتسل عريانا، ومر الكلام فيه.
وقد ذكرنا غير مرة أن أصل: بينا، بين، فأشبعت الفتحة بالألف ويضاف إلى جملة وهي: أيوب مبتدأ، ويغتسل خبره، وعريانا نصب على الحال. قوله: (خر) أي: سقط، وهو جواب: بينا، وقد ذكرنا أيضا أن الأفصح في جوابه أن يكون بلا: إذ قوله: (رجل)، بكسر الراء وسكون الجيم وهو جماعة من الجراد، كما يقال: سرب من الظباء، وعانة من الحمر، وهو من أسماء الجماعات التي لا واحد لها من لفظها. قوله: (يحثى)، بالثاء المثلثة أي: يأخذ بيديه جميعا في رواية بشير بن نهيك: يلتقط، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن عباس: فجعل أيوب ينشر طرف ثوبه فيأخذ الجراد فيجعله فيه، فكلما امتلأت ناحية نشر ناحية. قوله: (فناداه ربه) يحتمل: أن يكون بواسطة أو بلا واسطة أو بإلهام قوله: (بلى)، أي: أغنيتني. قوله: (لا غنى لي)، بكسر الغين المعجمة مقصور بلا تنوين، وخبر: لا، يجوز أن يكون قوله: لي، أو قول: من بركته، ويروى: من فضلك، وقال وهب: تطاير الجراد من الماء الذي اغتسل فيه، وكان له أندران أحدهما: القمح، والآخر: الشعير، فبعث الله سحابتين، فأفرغت إحداهما على أندر القمح ذهبا، والأخرى فضة، وتطاير الجراد على الكل، وإنما خص الجراد لكثرته.
وقال الخطابي: فيه: دلالة على أن من نثر عليه دراهم أو نحوها في إملاك ونحوه أنه أحق بما نثر عليه، وتعقبه ابن التين فقال: ليس كما ذكره لأنه شيء خص الله به نبيه أيوب، وإن ذلك شيء من فعل الآدمي فيكره فعله، لأنه من السرف وينازع في كونه خاصا، وبأنه جاء من الشارع ولا سرف فيه.