واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين الجلود وتلذ النفوس، وعن مجاهد: كان قد آمن معه أربعة آلاف، فذلك قوله تعالى: * (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه) * (هود: 85). فكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت ومن لم يكن منهم في بيته أهلكته في البراري والجبال. وقال السدي: لما رأوا أن الإبل والرجال تطير بين السماء والأرض في الهواء تبادروا إلى البيوت فلما دخلواها دخلت الريح وراءهم فأخرجتهم منها ثم أهلكتهم، ثم أرسل الله عليهم طيرا سودا فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه. ثم إن هودا، عليه الصلاة والسلام، بقي بعد هلاك قومه ما شاء الله ثم مات وعمره مائة وخمسون سنة، وحكى الخطيب عن ابن عباس أنه عاش أربعمائة وستين سنة، وكان بينه وبين نوح ثمانمائة وستين سنة.
واختلفوا: في أي مكان توفي؟ فقيل: بأرض الشحر من بلاد حضرموت وقبره ظاهر هناك ذكره ابن سعد في (الطبقات)، وعن عبد الرحمن بن ساباط: بين الركن والمقام وزمزم قبر تسعة وتسعين نبيا، وأن قبر هود وشعيب وصالح وإسماعيل، عليهم الصلاة والسلام، في تلك البقعة، وقيل: بجامع دمشق في حائط القبلة، يزعم بعض الناس أنه قبر هود، والله أعلم. وقال ابن الكلبي: لم يكن بين نوح وإبراهيم من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، إلا هود وصالح.
فيه عن عطاء وسليمان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: في هذا الباب روي عن عطاء بن أبي رباح، ووصل هذا التعليق البخاري في: باب ما جاء في قوله تعالى: * (وهو الذي أرسل الرياح) * (الفرقان: 84). عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم... الحديث. قوله: (وسليمان)، أي: وعن سليمان بن يسار عن عائشة، ووصل هذا التعليق في تفسير سورة الأحقاف، وقال: حدثنا أحمد بن وهب أخبرنا عمرو أن أبا النضير حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته... الحديث.
9 ((باب قول الله عز وجل * (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) * شديدة * (عاتية) * (الحاقة: 8). قال ابن عيينة عتت على الخزان سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما متتابعة فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية أصولها فهل ترى لهم من باقية بقية)) أي: هذا باب في بيان تفسير قول الله تعالى: * (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية) * (الحاقة: 8 01). قوله: (وأما عاد) عطف على ما قبله، وهو قوله: * (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) * (الحاقة: 7). وقصة عاد مرت في الباب السابق، وقد فسر البخاري: الصرصر بقوله: شديدة عاتية، وعاتية من عتا يعتو عتوا إذا جاوز الحد في الشيء، ومنه العاتي: وهو الذي جاوز الحد في الاستكبار. قوله: (قال ابن عيينة) أي: سفيان بن عيينة، عتت أي الريح على الخزان، بضم الخاء جمع خازن وهم الملائكة الموكلون بالريح، يعني: عتت عليهم فلم تطعهم وجاوزت المقدار، وقيل: عتت على خزانها فخرجت بلا كيل ولا وزن، وعن عباس: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما أرسل الله تعالى نسمة من ريح إلا بمكيال، ولا قطرة من مطر إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح طغت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل) وقيل: الصرصر شديد الصوت لها صرصرة، وقيل: ريح صرصر باردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر فهي تحرق بشدة بردها. قوله: (سخرها)، يعني أرسلها وسلطها عليهم، والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار. قوله: (حسوما)، فسره البخاري بقوله: متتابعة، وكذا فسره أبو عبيدة، وقال الضحاك: كاملة لم تفتر عنهم حتى افنتهم، وقال عطية: حسوما كأنها حسمت الخبر عن أهلها. وقال الخليل: قطعا لدابرهم، والحسم القطع والمنع، ومنه حسم الرضاع، وقال النضر ابن شميل: حسمهم قطعهم، وانتصاب حسوما على الحال، قال الزمخشري: الحسوم إما جمع حاسم كشهود جمع شاهد، وإما مصدر كالكفور والشكور، فإن كان جمعا يكون حالا يعني: حاسمة، وإن كان مصدرا يكون منصوبا بفعل مضمر أي: يحسم حسوما بمعنى يستأصل استئصالا، أو يكون صفة كقولك: ذات حسوم أو يكون مفعولا له، أي: سخرها عليهم للاستئصال.