عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٢٢١
الأخذ بأطراف الأسنان، وبالمعجمة الأخذ بالأضراس، وقال القزاز: النهس أخذ اللحم بالأسنان بالفم، وقيل: هو القبض على اللحم ونثره عند أكله. وقال الأصمعي: هما واحد وهو: أخذ اللحم بالفم، وخالفه أبو زيد فذكر ما ذكرناه. قوله: (أنا سيد القوم يوم القيامة)، أي: الذي يفوق قومه ويفزع إليه في الشدائد، وخص يوم القيامة لارتفاع سؤدده وتسليم جميعهم له، ولكون آدم وجميع ولده تحت لوائه، ذكره عياض. وقال الكرماني: وتقييد سيادته بيوم القيامة لا ينافي السيادة في الدنيا، وإنما خصه به لأن هذه القصة قصة يوم القيامة، قلت: إذا كان هو سيدا يوم القيامة، وهو أعظم من الدنيا فبالأولى أن يكون سيدا في الدنيا أيضا. فإن قلت: قال صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء، وقال: لا تفضلوني على يونس، عليه الصلاة والسلام. قلت: أجيب كان هذا قبل إعلامه بسيادة ولد آدم والفضائل لا تنسخ إجماعا فبقيت القبلية، أو الذي قال في يونس من: باب التواضع. وقد قيل: إن المنع في ذات النبوة والرسالة، فإن الأنبياء فيها على حد واحد، إذ هي شيء واحد لا تتفاضل، وإنما التفاضل في زيادة الأحوال والكرامات والرتب والألطاف. قوله: (في صعيد واحد) أي: أرض واسعة مستوية. قوله: (فيبصرهم الناظر) أي: يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب، ويروى: فينفذهم البصر، بفتح الياء وبالذال المعجمة على الأكثرين، ويروى بضم الياء، وقال أبو عبيدة: معناه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم. قلت: هو كناية عن استيعابهم بالعلم، والله لا يخفى عليه شيء، والصواب قول من قال: فيبصرهم الناظر من الخلق، وعن أبي حاتم: إنما هو بدال مهملة، أي: يبلغ أولهم وآخرهم. وقال ابن الأثير: والصحيح فتح الياء مع الإعجام. قوله: (ويسمعهم) بضم الياء من الإسماع. قوله: (إلى ما بلغكم)، بدل من قوله: (إلى ما أنتم فيه) قوله: (ألا تنظرون؟) كلمة: ألا، في الموضعين للعرض والتحضيض، وهي بفتح الهمزة وتخفيف اللام. قوله: (من روحه)، الإضافة إلى الله لتعظيم المضاف وتشريفه، كقولهم: عبد الخليفة كذا. قوله: (وما بلغنا)، بفتح الغين المعجمة هو الصحيح لأنه تقدم ما بلغكم، ولو كان بسكون الغين لقال: بلغهم، وقيل بالسكون وله وجه. قوله: (ربي غضب) المراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب، وقال النووي: المراد من غضب الله ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه، وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها، ولا شك أنه لم يقع قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله. قوله: (نفسي نفسي)، أي: نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها، إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه، أو قوله: نفسي مبتدأ والخبر محذوف. قوله: (إذهبوا إلى نوح) بيان لقوله: (إذهبوا إلى غيري). قوله: (أنت أول الرسل)، إنما قالوا له ذلك لأنه آدم الثاني، أو لأنه أول رسول هلك قومه، أو لأن آدم ونحوه خرج بقوله: إلى أهل الأرض لأنها لم تكن لها أهل حينئذ، أو لأن رسالته كانت بمنزلة التربية للأولاد. وفي (التوضيح): قولهم: أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، هو الصحيح، قاله الداودي، وروى أن آدم، عليه الصلاة والسلام، مرسل، وروي في ذلك، حديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو نبي وليس برسول، وقيل: رسول وليس نبيا. انتهى. وقال ابن بطال: آدم ليس برسول، نقله عنه الكرماني. قلت: الصحيح أنه نبي ورسول، وقد نزل عليه جبريل وأنزل عليه صحفا وعلم أولاده الشرائع، وقول ابن بطال غير صحيح، وأما قول من قال: إنه رسول وليس بنبي، فظاهر الفساد، لأن كل رسول نبي، ومن لازم الرسالة النبوة. قوله: (أما ترى؟) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهي حرف استفتاح بمنزلة: ألا، وكلمة: ألا بعدها للعرض والتحضيض. قوله: (ائتوا النبي صلى الله عليه وسلم)، هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بين ذلك بقوله: (فيأتوني) أصله: فيأتونني، وحذف نون الجمع بلا جازم ولا ناصب لغة. قوله: (تشفع)، على صيغة المجهول من التشفيع، وهو قبول الشفاعة. قوله: (قال محمد بن عبيد: لا أحفظ سائره)، أي: سائر الحديث، أي: باقيه، لأنه مطول علم من سائر الروايات، وقد بينها غيره وحفظها حتى قال ابن التين: وقول نوح: ائتوا النبي، وهم إنما دلهم على إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، وإبراهيم دلهم على موسى، عليه الصلاة والسلام، وموسى دلهم على عيسى، عليه الصلاة والسلام، وعيسى دلهم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وذكر الغزالي، رحمه الله: أن بين إتيانهم من آدم إلى نوح ألف سنة، وكذا إلى كل نبي حتى يأتوا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم. قال: والرسل يوم القيامة على منابر، والعلماء العاملون على كراسي، وهم رؤساء أهل المحشر، ومن يشفع للناس منهم رؤساء أتباع الرسل، وأول الشفعاء يوم القيامة نبينا محمد صلى الله عليه
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»