عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١٠٩
1913 حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا جامع ابن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما قال دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال أقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا قد بشرتنا فأعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها..
هذا طريق آخر لحديث عمران بن الحصين مع زيادة فيه. قوله: (جئناك)، بكاف الخطاب، هكذا رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني: جئنا، بلا كاف. قوله: (نسألك عن هذا الأمر) أي: الحاضر الموجود، ولفظ: الأمر، يطلق ويراد به المأمور ويراد به الشأن، والحال، وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم. قوله: (كان الله ولم يكن شيء غيره) وسيأتي في التوحيد: ولم يكن شيء قبله، وفي رواية غير البخاري، ولم يكن شيء معه، ووقع هذا الحديث في بعض المواضع: كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان، وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث نبه عليه الإمام تقي الدين بن تيمية. قوله: (وكان عرشه على الماء)، أي: لم يكن تحته إلا الماء، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض. فإن قلت: بين هذه الجملة وما قبلها منافاة ظاهرة لأن هذه الجملة تدل على وجود العرش، والجملة التي قبلها تدل على أنه لم يكن شيء. قلت: هو من باب الإخبار عن حصول الجملتين مطلقا، والواو بمعنى: ثم فإن قلت: ما الفرق بين كان في: كان الله، وبين كان في: وكان عرشه؟ قلت: كان الأول: بمعنى الكون الأزلي، وكان الثاني: بمعنى الحدث. وفي قوله: وكان عرشه على الماء، دلالة على أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهم خلقا قبل خلق السماوات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء. فإن قلت: إذا كان العرش والماء مخلوقين أولا فأيهما سابق في الخلق؟ قلت: الماء لما روى أحمد والترمذي مصححا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا: إن الماء خلق قبل العرش، وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة: أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء. فإن قلت: روى أحمد والترمذي مصححا من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا أن الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء (فإن قلت) روى أحمد والترمذي مصححا من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا: أول ما خلق الله القلم، ثم قال: أكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، واختاره الحسن وعطاء ومجاهد، وإليه ذهب ابن جرير وابن الجوزي، وحكى ابن جرير عن محمد بن إسحاق أنه قال: أول ما خلق الله تعالى النور والظلمة، ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما، وجعل النور نهارا أبيض مبصرا، وقيل: أو ما خلق الله تعالى نور محمد صلى الله عليه وسلم. قلت: التوفيق بين هذه الروايات بأن الأولية نسبي، وكل شيء قيل فيه إنه أول فهو بالنسبة إلى ما بعدها. قوله: (وكتب في الذكر) أي: قدر كل الكائنات وأثبتها في الذكر أي: اللوح المحفوظ. قوله: (تقطع)، تفعل من التقطع وهو بلفظ الماضي وبلفظ المضارع من القطع. قوله: (السراب) بالرفع فاعله، والسراب هو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء، والمعنى: فإذا هي، انتهى السراب عندها. قوله: (لوددت)، أي: لأحببت أني لو تركتها لئلا يفوت منه سماع كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال المهلب: السؤال عن مبادئ الإشياء والبحث عنها جائز شرعا، وللعالم أن يجيب عنها بما يعلم، فإن خشي من السائل إيهام شك أو تقصير فلا، يجيبه وينهاه عن ذلك.
2913 ورواه عيسى عن رقبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»