و سفيان هو الثوري.
والحديث مضى في كتاب الحج في: باب لا يحل القتال بمكة، فإنه أخرجه هناك بأتم منه: عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور... إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، ولنتكلم أيضا بعض شيء.
فقوله: (لا هجرة)، يعني: من مكة، وأما الهجرة عن المواضع التي لا يتأتى فيها أمر الدين فهي واجبة اتفاقا، وقال الخطابي: كانت الهجرة على معنيين: أحدهما: أنهم إذا أسلموا وأقاموا بين قومهم أو ذوا، فأمروا بالهجرة إلى دار الإسلام ليسلم لهم دينهم ويزول الأذى عنهم، والآخر: الهجرة من مكة، لأن أهل الدين بالمدينة كانوا قليلا ضعيفين، وكان الواجب على من أسلم أن يهاجروا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لكن إن حدث حادث استعان بهم في ذلك، فلما فتحت مكة استغنى عن ذلك، إذ كان معظم الخوف من أهلها، فأمر المسلمون أن يقيموا في أوطانهم ويكونوا على نية الجهاد، مستعدين، لأن ينفروا إذا استنفروا. وقال الطيبي: كلمة: لكن، تقتضي مخالفة ما بعدها لما قبلها، أي: أن المفارقة عن الأوطان المسماة بالهجرة المطلقة انقطعت، لكن المفارقة بسبب الجهاد باقية مدى الدهر، وكذا المفارقة بسبب نية خالصة لله، عز وجل. كطلب العلم والفرار لدينه. انتهى. وذكر غير واحد من العلماء أن أنواع الهجرة خمسة أقسام: الأول: الهجرة إلى أرض الحبشة. الثاني: الهجرة من مكة إلى المدينة. الثالث: هجرة القبائل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. الرابع: هجرة من أسلم من أهل مكة. الخامس: هجرة ما نهى الله عنه، وبقي من الهجرة ثلاثة أنواع أخر، وهي: الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة، وهجرة من كان مقيما ببلاد الكفر ولا يقدر على إظهار الدين، فتجب عليه الهجرة، والهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن، على ما رواه أحمد في (مسنده) من رواية شهر قال: سمعت عبد الله بن عمر، سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم، عليه الصلاة والسلام...) الحديث.
ولما روى الترمذي حديث ابن عباس هذا قال: وفي الباب عن أبي سعيد، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن حبشي. أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد في (مسنده) من رواية أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما نزلت هذه الآية: * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (الفتح: 1). قرأها رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى ختمها. (وقال: الناس حيز، وأنا وأصحابي حيز. وقال: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية). قلت: الحيز، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف المكسورة، وفي آخره زاي، والمعنى: الناس في ناحية وأنا وأصحابي في ناحية. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البخاري على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وأخرجه أبو داود والنسائي. وأما حديث عبد الله بن حبشي فأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي: أن النبي، صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: (طول القنوت)، قيل: فأي صدقة أفضل؟ قال: (جهد المقل) قيل: فأي الهجرة أفضل؟) قال: (من هجر ما حرم الله عليه...) الحديث.
قلت: وفي الباب عن جماعة آخرين، وهم: عبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وفضالة بن عبيد، وزيد ابن ثابت، ورافع بن خديج، ومجاشع بن مسعود، وغزية بنت الحارث وقيل: الحارث بن غزية وعبد الله بن وقدان السعدي، وجنادة بن أبي أمية، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وثوبان، ومحمد بن حبيب النصري، وفديك، وواثلة بن الأسقع، وصفوان بن أمية، ويعلى بن مرة، وعمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وابن مسعود، وأبو مالك الأشعري، وعائشة، وأبو فاطمة رضي الله تعالى عنهم.
أما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه أحمد والطبراني من رواية مالك بن يخامر عن ابن السعدي: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل)، فقال معاوية وعبد الرحمن ابن عوف وعبد الله بن عمرو: إن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (الهجرة خصلتان: إحداهما تهجر السيئات، والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة)، ورواه البزار مقتصرا على حديث عبد الرحمن بن عوف، ومعاوية وحده، رواه أبو داود والنسائي بلفظ: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها). وأما حديث فضالة بن عبيد فأخرجه ابن ماجة من رواية عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (المهاجر من هجر الخطايا والذنوب). وأما حديث زيد بن ثابت ورافع بن خديج فأخرجه أحمد في (مسنده) من رواية أبي البختري عن أبي سعيد عن النبي، صلى الله عليه وسلم بحديث فيه: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية). فقال له مروان: كذبت،