عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ١٦٠
أنه لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها، والخطر فيه، فبين بالحديث جوازه وإن الإضمار ليس بشرط في المسابقة، ووجه آخر وهو أنه: أراد حديث ابن عمر بطوله، وفيه السبق بالنوعين، فذكر طرفا منه للعلم بباقيه، وقال ابن بطال: إنما ترجم لطريق الليث بالإضمار وأورده بلفظ: سابق بين الخيل التي لم تضمر، ليشير بذلك إلى تمام الحديث.
والحديث أخرجه مسلم في المغاز عن يحيى بن يحيى وقتيبة ومحمد بن رمح. وأخرجه النسائي في الخيل عن قتيبة به.
قوله: (أمدها) الأمد: الغاية التي ينتهي إليها من موضع أو وقت.
قال أبو عبد الله أمدا غاية فطال عليهم الأمد أبو عبد الله هو البخاري نفسه، ووقع هذا في رواية المستملي وحده، والذي ذكره هو تفسير أبي عبيدة في (المجاز).
85 ((باب غاية السبق للخيل المضمرة)) أي: هذا باب في بيان غاية السبق، وفي بعض النسخ: غاية السباق.
0782 حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا معاوية قال حدثنا أبو إسحاق عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت فأرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع فقلت لموسى فكم كان بين ذلك قال ستة أميال أو سبعة وسابق بين الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق قلت فكم بين ذلك قال ميل أو نحوه وكان ابن عمر ممن سابق فيها.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهو طريق آخر لحديث ابن عمر عن عبد الله بن محمد المسندي عن معاوية بن عمرو الأزدي عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري عن موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي المديني.
والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن ابن جريج.
قوله: (فقلت لموسى)، القائل هو أبو إسحاق.
وفيه: مشروعية المسابقة وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك، وجعلها بعضهم سنة، وبعضهم إباحة. وقال القرطبي: لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة، لما في ذلك من التدريب على الحرب. انتهى. وقد خرج هذا من باب القمار بالسنة، وكذلك هو خارج من تعذيب البهائم، لأن الحاجة إليها تدعو إلى تأديبها وتدريبها. وفيه: تجويع البهائم على وجه الصلاح عند الحاجة إلى ذلك. وفيه: رياضة الخيل المعدة للجهاد. وفيه: أن المسابقة بين الخيل يجب أن يكون أمدها معلوما وأن تكون الخيل متساوية الأحوال أو متقاربة، وأن لا يسابق المضمر مع غيره، وهذا إجماع من العلماء، لأن صبر الفرس المضمر المجوع في الجري أكثر من صبر المعلوف، فلذلك جعلت غاية المضمرة ستة أميال أو سبعة، وجعلت غاية المعلوفة ميلا واحدا. وقال بعضهم: وفيه: نسبة الفعل إلى الآمر به، لأن قوله: (سابق) أي: أمر وأباح. قلت: ليت شعري ما وجه هذه النسبة، وقد صرح ابن عمر بأنه صلى الله عليه وسلم سابق وهو في الحقيقة إسناد السباق إلى نفسه، ولا معنى للعدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير داع ضروري، وقد صرح أحمد في (مسنده) من رواية عبد الله بن عمر المكبر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سابق بين الخيل، وراهن. انتهى. ولم يتعرض هنا للمراهنة، وقد قال الترمذي: باب المراهنة على الخيل، ولعله أشار إلى الحديث الذي رواه أحمد. وقد أجمع العلماء على جواز المسابقة بلا عوض، لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل، وخصه بعض العلماء بالخيل، وأجازه عطاء في كل شيء.
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»