محمد بن عمر الواقدي حدثنا موسى بن يعقوب الربعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد ابن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عن المقداد بن عمرو أنه: كان يوم بدر على فرس يقال له سبحة، فأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم سهمين لفرسه سهم واحد وله سهم، وبما رواه الواقدي أيضا في المغازي: حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن جعفر بن خارجة، قال: قال الزبير بن العوام: شهدت بني قريظة فارسا فضرب لي بسهم ولفرسي بسهم. وبما رواه ابن مردويه في (تفسيره) في سورة الأنفال من حديث عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: أساب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبايا بني المصطلق، فأخرج الخمس منها ثم قسم بين المسلمين، فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما. وبما رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا أبو أسامة وابن نمير، قالا: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جعل للفارس سهمين وللراجل سهما. وبما رواه الدارقطني في أول كتابه (المؤتلف والمختلف) من حديث عبد الرحمن بن أمين عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقسم للفارس سهمين وللراجل سهما. وفي (التوضيح): خالف أبو حنيفة عامة العلماء قديما وحديثا، وقال: لا يسهم للفارس إلا سهم واحد، وقال: أكره أن أفضل بهيمة على مسلم، وخالفه أصحابه فبقي وحده، وقال ابن سحنون: انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار. قلت: لم ينفرد أبو حنيفة بذلك، بل جاء مثل ذلك عن عمر وعلي وأبي موسى، رضي الله تعالى عنهم. فإن قلت: الواقدي فيه مقال. قلت: ما للواقدي؟ فقد قال إبراهيم الحربي: سمعت مصعبا الزبيري، وسئل عن الواقدي، فقال: ثقة مأمون، وكذلك قال المسيبي حين سئل عنه، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الواقدي ثقة، وعن الداودي، قال: الواقدي أمير المؤمنين في الحديث، ولئن سلمنا أن فيه مقالا ففي أكثر أحاديث هؤلاء أيضا مقال. فحديث أبي داود الذي رواه عن أحمد فيه المسعودي فيه مقال، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. وحديث أبي رهم فيه قيس بن الربيع، قال في (التنقيح): ضعفه بعض الأئمة، وأبو رهم مختلف في صحبته. وحديث أبي كبشة الأنماري فيه محمد بن عمران العبسي، قال النسائي: ليس بالقوي، وفيه عبد الله بن بشر، قال النسائي: ليس بثقة، وقال يحيى القطان: لا شيء، وقال أبو حاتم والدارقطني: ضعيف. وحديث مقداد فيه موسى بن يعقوب عن عمته قريبة فيه لين، وتفرد به عنها. فإن قلت: حديث الباب وما روي من (الصحاح) مثله حجة عليه. قلت: لا، لأن ظاهر قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنتم من شيء) * (الأنفال: 14). يقتضي المساواة بين الفارس والراجل، وهو خطاب لجميع الغانمين، وقد شملهم هذا الاسم، وحديث الباب ونحوه محمول على وجه التنفيل.
وقال مالك يسهم للخيل والبراذين منها وفي بعض النسخ قوله: قال مالك إلى الباب الذي يليه ذكر مقدما على الحديث المذكور. قوله: (والبراذين)، جمع: برذون، بكسر الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره نون، وفي المغرب: البرذون التركي من الخيل وخلافها العراب، والأنثى برذونة، ويقال: البرذون يجلب من بلاد الروم، وله جلد على السير في الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية، وهذا التعليق روي عن مالك بزيادة: والهجين، وهو ما يكون أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي، وقيل: الهجين الذي أبوه فقط عربي، وأما الذي أمه فقط عربية فيسمى: المقرف، وعن أحمد: الهجين البرذون، ويقال: الهجين والبراذين خيل الروم والفرس، وقال ابن فارس: اشتقاق البرذون من برذن الرجل برذنة إذا ثقل.
لقوله تعالى * (والخيل والبغال والحمير لتركبوها) * (النحل: 8).
قال ابن بطال، رحمه الله: وجه الاحتجاج بالآية أن الله تعالى أمتن بركوب الخيل، وقد أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم الخيل يقع على البرذون والهجين. قلت: وبقول مالك قال أبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور، وقال الليث: للهجين والبرذون سهم دون سهم الفرس، ولا يلحقان بالعراب، وقال ابن المناصف: أول من أسهم البرذون رجل من همدان يقال له المنذر الوداعي، فكتب بذلك إلى عمر، رضي الله تعالى عنه، فأعجبه فجرت سنة للخيل والبراذين، وفي ذلك يقول شاعرهم: