اتصال الطريق في الشطر الثاني وعزاه إلى أبي الدرداء بالجزمم فإن قلت: ما وجه الاتصال؟ قلت: روى عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن ابن حلبس عن أبي الدرداء. قال: إنما تقاتلون بأعمالكم، فاقتصر على هذا المقدار، بفتح الحاء المهملة وسكون اللام وفتح الباء وفي آخره سين مهملة. وقال ابن ماكولا، يزيد بن ميسرة بن حلبس، يروي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء، وأخوه يونس بن ميسرة بن حلبس، يروي عن معاوية ابن أبي سفيان وأبي إدريس الخولاني وغيرهما، وأخوهما أيوب بن ميسرة بن حلبس.
وقوله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) * (الصف: 2 4).
وقوله تعالى، يجوز بالرفع والجر بحسب عطفه على قوله: عمل صالح قبل القتال، قيل: لا مناسبة بين الترجمة والآية. ورد بأنها موجودة من حيث إن الله عاتب من قال بما لا يفعل، وأثنى على من وفى وثبت عند القتال، والثبات عنده من أصلح الأعمال. وقال الكرماني: والمقصود من ذكر هذه الآية ذكر: صفا أي: صافين أنفسهم، أو مصفوفين، إذ هو عمل صالح قبل القتال. وقيل: يجوز أن يراد استواء بنيانهم في البناء حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان. وقيل: مفهومه مدح الذين قالوا وعزموا وقاتلوا، والقول فيه والعزم عملان صالحان. قوله: * (يا أيها الذين) * (الصف: 2 4). إلى آخره. قال مقاتل في (تفسيره) قوله: * (يا أيها الذين آمنوا..) * (الصف: 2 4). إلى آخره: يعظهم بذلك، وذلك أن المؤمنين قالوا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا، فأنزل الله تعالى: * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله) * (الصف: 2 4). يعني: في طاعته * (صفا كأنهم بنيان مرصوص) * (الصف: 2 4). فأخبر الله تعالى بأحب الأعمال إليه بعد الإيمان، فكرهوا القتل فوعظهم الله وأدبهم فقال: * (لم تقولون ما لا تفعلون) * (الصف: 2 4). وفي (تفسير النسفي): قيل: إن الرجل كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: فعلت كذا وكذا، وما فعل فنزلت: * (لم تقولون ما لا تفعلون) * (الصف: 2 4). وقال الضحاك: كان الرجل يقول: قاتلت ولم يقاتل، وطعنت ولم يطعن، وصبرت ولم يصبر، فنزلت هذه الآية. وقال ابن عباس: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: وددنا لو أن الله تعالى دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبرهم الله تعالى: أن أفضل الأعمال الجهاد، وكره ذلك ناس منهم، وشق عليهم الجهاد وتباطؤا عنه، فنزلت هذه الآية. وقال ابن زيد: نزلت في المنافقين، كانوا يعدون المؤمنين النصر ويقولون: لو خرجتم خرجنا معكم ونصرناكم، فلما خرج النبي، صلى الله عليه وسلم نكصوا عنه، فنزلت هذه الآية. قوله: (لم؟) هي لام الإضافة داخلة على: ما، الاستفهامية، كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك: بم وفيم وعم وإلام وعلام، وإنما حذفت الألف لأن ما، والحرف كشيء واحد، ووقع استعمالها كثيرا في كلام المستفهم. وقال الحسن: إنما بدأهم بالإيمان تهكما بهم، لأن الآية نزلت في المنافقين وبإيمانهم. قوله: (كبر مقتا) هذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه، قصد في كبر التعجب من غير لفظه، ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله، وأسند: كبر، إلى: أن تقولوا، ونصب: مقتا، على تفسيره، دلالة على أن قولهم: ما لا يفعلون)، مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه، واختير لفظ: المقت، لأنه أشد البغض وأبلغه. قوله: (صفا) أي: صافين أنفسهم أو مصفوفين. قوله: (مرصوص)، أي: كأنهم في تراصهم من غير فرجة بنيان رص بعضه إلى بعض.
8082 حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال حدثنا شبابة بن سوار الفزاري قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله تعالى عنه يقول أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل واسلم قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا.
مطابقته للترجمة في قوله: (أسلم ثم قاتل) فأسلم ثم قاتل وقد أتى بالعمل الصالح بل بأفضل الأعمال وأقواها صلاحا، وهو الإسلام، ثم قاتل بعد أن أسلم. ومحمد بن عبد الرحيم أبو يحيى كان يقال له: صاعقة.
وهو من أفراد البخاري، وشبابة بفتح