أنه اعترف، وإلأ فإقرار الأب عليه غير مقبول، أو يكون هذا إفتاء، أي: إن كان كذا فكذا. وفيه: سقوط الجلد مع الرجم خلافا لمسروق وأهل الظاهر في إيجابهم الجمع بينهما. قلنا: لو كان واجبا لأمر به. وفيه: استدلال للظاهرية على أن المقر بالزنى لا يقبل رجوعه عنه، وليس في الحديث التعريض للرجوع، وقال مالك وأصحابه: يقبل منه إن رجع إلى شبهة، وإن رجع إلى غيرها فيه خلاف. وفيه: إقامة الحاكم الحكم بمجرد إقرار المحدود من غير شهادة عليه، وهو أحد قولي الشافعي وأبي ثور، ولا يجوز ذلك عند مالك إلا بعد الشهادة عليه، وقال للقرطبي: هذا كله مبنى على أن أنيسا كان حاكما، ويحتمل أن يكون رسولا ليستفصلها، ويعضد هذا التأويل قوله في آخر الحديث في بعض الروايات: فاعترفت فأمر بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم فرجمت، فهذا يدل على أن أنيسا إنما سمع إقرارها، وأن تنفيذ الحكم كان من النبي، صلى الله عليه وسلم. قال: وحينئذ يتوجه إشكال آخر. وهو أن يقال: فكيف اكتفى في ذلك بشاهد واحد؟ وقد اختلف في الشهادة على الإقرار بالزنى: هل يكتفي بشهادة شاهدين؟ أو لا بد من أربعة؟ على قولين لعلمائنا، ولم يذهب أحد من المسلمين إلى الاكتفاء بشهادة واحد؟ فالجواب: أن هذا اللفظ الذي قال فيه: فاعترفت فأمر بها فرجمت، هو من رواية الليث عن الزهري، ورواه عن الزهري مالك بلفظ: فاعترفت فرجمها، لم يذكر فأمر بها النبي، صلى الله عليه وسلم فرجمت، وعند التعارض. فحديث مالك أولى لما يعلم من حفظ مالك وضبطه وخصوصا في حديث الزهري، فإنه من أعرف الناس به، والظاهر أن أنيسا كان حاكما فيزول الإشكال، ولو سلمنا أنه كان رسولا فليس في الحديث ما ينص على انفراده بالشهادة، ويكون غيره قد شهد عليها عند النبي، صلى الله عليه وسلم بذلك. ويعضد هذا أن القضية اشتهرت وانتشرت فيبعد أن ينفرد بها واحد، سلمنا، لكنه خبر وليس بشهادة فلا يشترط العدد فيه، وحينئذ يستدل بها على قبول أخبار الآحاد والعمل بها في الدماء وغيرها. قال القرطبي: وفيه: أن زنى المرأة لا يفسخ نكاحها من زوجها. وفيه: أن الحدود التي هي محضة لحق الله لا يصح الصلح فيها.
واختلف في حد القذف: هل يصح الصلح فيه أم لا؟ ولم يختلف في كراهته لأنه ثمن عرض، ولا خلاف في جوازه قبل رفعه، وأما حققو الأبدان من الجراح، وحقوق الأموال، فلا خلاف في جوازه مع الإقرار، واختلف في الصلح على الإنكار، فأجازه مالك وأبو حنيفة ومنعه الشافعي.
7962 حدثنا يعقوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد.
مطابقته للترجمة من حيث إن من اصطلح على صلح جور فهو داخل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا...) الحديث. ويعقوب شيخ البخاري، قيل: هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وقيل: يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وقيل: يعقوب بن حميد بن كاسب، وقيل: يعقوب بن محمد بن الزهري، كذا ذكره ابن السكن وأنكره الحاكم، وزعم أبو نعيم أنه يعقوب بن إبراهيم، وذكر الكلاباذي والحاكم أنه يعقوب بن حميد، والذي وقع في رواية الأكثرين يعقوب، كذا غير منسوب، وانفرد ابن السكن بقوله: يعقوب بن محمد، وكذا وقع في المغازي في: باب فضل من شهد بدرا، قال البخاري: حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد، فوقع عند ابن السكن: يعقوب بن محمد، أي: الزهري، وعند الأكثرين غير منسوب، ولكن قال أبو ذر في روايته في المغازي: يعقوب بن إبراهيم، أي الدورقي. قوله: (عن أبيه) هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ووقع منسوبا، كذلك في مسلم، وقال في روايته: أي والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي المديني؟
والحديث أخرجه مسلم في الأقضية عن محمد بن الصباح البزار، وعبد الله بن عوف الخزاز وعن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد، وأخرجه أبو داود في السنة عن محمد بن الصباح به، وعن محمد بن عيسى، وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي مروان محمد بن عثمان.
قوله: (من أحدث في أمرنا هذا) الإحداث في أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، هو اختراع شيء في دينه بما ليس فيه، مما لا يوجد في الكتاب والسنة. قوله: (فهو رد) أي: مردود، ومن باب إطلاق المصدر على اسم المفعول، كما يقال: هذا خلق الله، أي: مخلوقه، وهذا نسج فلان، أي: منسوجه، وحاصل معناه: أنه باطل غير معتد به.
وفيه: رد المحدثات وأنها ليست من الدين لأنه ليس عليها أمره، صلى الله عليه وسلم، والمراد به أمر الدين.