عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٢٧١
الأولى: ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها، فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقها عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها، ولهذا قال الله تعالى: * (فلا جناح عليهما أن يصالحها بينهما صلحا) * (النساء: 821). ثم قال: * (والصلح خير) * (النساء: 821). أي: من الفراق، وروى أبو داود الطيالسي: حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله، صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! لا تطلقني، واجعل يومي لعائشة، ففعل ونزلت هذه الآية: * (وإن امرأة خافت) * (النساء: 821). الآية ورواه الترمذي عن محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي. وقال: حسن غريب، وقيل: نزلت في رافع بن خديج طلق زوجته واحدة وتزوج شابة، فلما قارن انقضاء العدة قالت: أصالحك على بعض الأيام، ثم لم تسمح، فطلقها أخرى ثم سألته ذلك فراجعها، فنزلت هذه الآية، قوله: * (نشوزا) * النشوز أصله الارتفاع، فإذا أساء عشرتها ومنعها نفسه والنفقة فهو نشوز، وقال ابن فارس: نشز بعلها إذا جفاها وضربها، وقال الزمخشري: النشوز أن يتجافى عنها، بأن يمنعها الرحمة التي بين الرجل والمرأة، وأن يؤذيها بسب أو ضرب، والإعراض أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها، وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة أو شيء في خلق أو خلق أو ملال أو نحو ذلك. قوله: * (أن يصالحا) * أصله: أن يتصالحا، فأبدلت التاء صادا وأدغمت الصاد في الصاد، فصار: يصالحا، وقريء: (أن يصلحا) أي: أن يصطلحا، وأصله: يصتلحا، فأبدلت التاء صادا وأدغمت في الأخرى، وقرئ: أن يصلحا. وقوله: * (صلحا) * (النساء: 821). في معنى مصدر كل واحد من الأفعال الثلاثة. قوله: * (والصلح خير) * (النساء: 821). أي: من الفرقة أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة. قال الزمخشري: هذه الجملة اعتراض، وكذلك قوله: * (وأحضرت الأنفس الشح) * (النساء: 821). ومعنى إحضار الأنفس الشح: أن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا، ولا تنفك عنه، يعني أنها مطبوعة عليه، والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها، والرجل لا يكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها، وأحب غيرها. قوله: * (وإن تحسنوا) * (النساء: 821). أي: بالإقامة على نسائكم وتتقوا النشوز والإعراض، وما يؤدي إلى الأذى والخصومة، * (فإن الله كان بما تعملون) * (النساء: 821). من الإحسان والتقوى * (خبيرا) * (النساء: 821). يثيبكم عليه.
4962 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * (النساء: 821). قالت هو الرجل يراى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول أمسكني واقسم لي ما شئت قالت فلا بأس إذا تراضيا.
هذا الحديث تفسير عائشة، رضي الله تعالى عنها، هذه الآية، وسفيان هو ابن عيينة، قوله: كبرا، بالنصب بيان لقوله: ما لا يعجبه، أي: كبر السن أو غيره من سوء خلق أو خلق، ويروى وغيره، بالواو. قوله: (فتقول)، أي المرأة تقول لزوجها: عائشة فلا بأس بذلك إذا تراضيا أي الرجل وامرأته، ودل هذا على أن ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهم على بعض لا يجوز إلا بإذن المفضولة ورضاها، ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع بين الرجل والمرأة في: مال أو وطء أو غير ذلك، وكل ما تراضيا عليه من الصلح فهو حلال للرجل، من زوجته للآية المذكورة، ونقل الداودي عن مالك: أنها إذا رضيت بالبقاء بترك القسم لها أو الإنفاق عليها، ثم سألت العدل، كان ذلك لها، والذي قاله في المدونة، ذكره في القسم لها، وأما النفقة فيلزمها ذلك إذا تركته، والفرق أن الغيرة لا تملك بخلاف النفقة.
5 ((باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود)) أي: هذا باب يذكر فيه: إذا اصطلح قوم على صلح جور، الجور في الأصل الظلم، يقال: جار جورا، أي: ظلما، ولفظ: جور، يجوز أن يكون صفة لصلح، ويجوز أن يكون مضافا إليه قوله (فالصلح) بالفاء جواب إذا المتضمنة معنى الشرط.
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»