استفسار الحاكم والمفتي عما يحتمل ذلك، كقوله، صلى الله عليه وسلم: (ألك ولد غيره؟ وأفكلهم أعطيته؟). وفيه: جواز تسمية الهبة صدقة. وفيه: أن للأم كلاما في مصلحة الولد. وفيه: المبادرة إلى قبول قول الحق وأمر الحاكم والمفتي بتقوى الله كل حال. وفيه: إشارة إلى سوء عاقبة الحرض أن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولدها لما رجع فيه، فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه.
41 ((باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها)) أي: هذا باب في بيان حكم هبة الرجل لامرأته، وحكم هبة المرأة لزوجها، وحكمها أنه يجوز، فإذا جاز هل لأحدهما أن يرجع على الآخر؟ فلا يجوز على ما يجيء بيانه، إن شاء الله تعالى.
قال إبراهيم جائزة إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، أي: هبة الرجل لأمرأه، وهبة المرأة لزوجها جائزة. وهذا تعليق وصله عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم، قال: إذا وهبت له أو وهب لها فلكل واحد منهما عطيته. ووصله الطحاوي من طريق أبي عوانة عن منصور، قال: قال إبراهيم: إذا وهبت امرأة لزوجها، أو وهب الزوج لامرأته، فالهبة جائزة وليس لواحد منهما أن يرجع في هبته. ومن طريق أبي حنيفة: عن حماد عن إبراهيم الزوج والمرأة بمنزلة ذي الرحم، إذا وهب أحدهما لصاحبه لم يكن له أن يرجع.
وقال عمر بن عبد العزيز: لا يرجعان عمر بن عبد العزيز أحد الخلفاء الراشدين، وأحد الزهاد العابدين. قوله: (لا يرجعان)، يعني: لا يرجع الزوج على الزوجة ولا الزوجة على الزوج فيما إذا وهب أحدهما للآخر، وهذا وصله أيضا عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الرحمن بن زياد: أن عمر ابن عبد العزيز قال مثل قول إبراهيم، وقال ابن بطال: قال بعضهم: لها أن ترجع فيما أعطته، وليس له أن يرجع فيما أعطاها، روى هذا عن شريح والزهري والشعبي، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين، كان شريح إذا جاءته امرأة وهبت لزوجها هبة ثم رجعت فيها يقول له: بينتك: أنها وهبتك طيبة نفسها من غير كره ولا هوان، وإلا فيمينها: ما وهبت بطيب نفسها إلا بعد كره، وهو إن انتهى فهذا يقتضي أنها ليس لها الرجوع إلا بهذا الشرط.
واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في أن يمرض في بيت عائشة، رضي الله تعالى عنها مطابقته للترجمة من حيث إن أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وهبن له ما استحقين من الأيام، ولم يكن لهن رجوع فيما مضى، وهذا على حمل الهبة على معناها اللغوي، وهذا التعليق وصله البخاري في هذا الباب على ما يجيء عن قريب، ووصله أيضا في آخر المغازي على ما يجيء، إن شاء الله تعالى. قوله: (أن يمرض)، على صيغة المجهول، من التمريض وهو القيام على المريض في مرضه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه مطابقته للترجمة من حيث إن عموم العائد في هبته المذموم يدخل فيه الزوج والزوجة، وهذا التعليق وصله البخاري أيضا في: باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته، وسيأتي بعد خمسة عشر بابا، وهذا الذي علقه أخرجه الستة إلا الترمذي، أخرجوه عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)، زاد أبو داود: قال قتادة، ولا نعلم القيء إلا حراما، واحتج بهذا طاووس وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق على أنه: ليس للواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الذي ينحله الأب لابنه، وعند مالك: له أن يرجع في الأجنبي الذي قصد منه الثواب ولم يثبه، وبه قال أحمد في رواية. وقال أبو حنيفة وأصحابه: للواحد الرجوع في هبته من الأجنبي ما دامت قائمة ولم يعوض منها، وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وشريح القاضي والأسود بن يزيد، والحسن البصري والنخعي والشعبي، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب