وقوله: * (أفرأيتم الماء الذي تشربون) * (الواقعة: 86). إلى قوله: * (فلولا تشكرون) * (الواقعة: 86). ووقع في بعض النسخ: باب في الشرب، وقوله تعالى: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) * (الأنبياء: 03). وقوله: * (أفرأيتم الماء الذي تشربون) * (الواقعة: 86). إلى قوله: * (فلولا تشكرون) * (الواقعة: 86). ووقع في شرح ابن بطال: كتاب المياة خاصة، وأثبت النسفي لفظ: باب خاصة.
أما المساقاة فهي: المعاملة بلغة أهل المدنية، ومفهومها اللغوي هو الشرعي، وهي معاقدة دفع الأشجار والكروم إلى من يقوم بإصلاحهما، على أن يكون له سهم معلوم من ثمرها، ولأهل المدينة لغات يختصون بها، كما قالوا للمساقاة: معاملة، وللمزارعة: مخابرة، وللإجارة: بيع، وللمضاربة: مقارضة، وللصلاة: سجدة. فإن قلت: المفاعلة تكون بين اثنين، وهنا ليس كذلك. قلت: هذا ليس بلازم، وهذا كما في قوله: قاتله الله، يعني: قتله الله، وسافر فلان، بمعنى: سفر، أو لأن العقد على السقي صدر من اثنين، كما في المزارعة، أو من باب التغليب، وأما الشرب، فبكسر الشين المعجمة: النصيب والحظ من الماء، يقال: كم شرب أرضك، وفي المثل آخرها: شربا أقلها شربا، وأصله في سقي الماء، لأن آخر الإبل يرد وقد نزف الحوض، وقد سمع الكسائي عن العرب أقلها شربا على الوجوه الثلاثة، يعني الفتح والضم والكسر، وسمعهم أيضا يقولون: أعذب الله شربكم، بالكسر، أي: ماءكم. وقيل: الشرب أيضا وقت الشرب، وقال أبو عبيدة: الشرب، بالفتح المصدر وبالضم والكسر، يقال: شرب شربا وشربا وشربا، وقريء: فشاربون شرب الهيم بالوجوه الثلاثة.
وقول الله تعالى: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) * (الأنبياء: 03).
وقول الله، بالجر عطفا على قوله: كتاب المساقاة، أو على قوله: في الشرب، أو على قوله: باب الشرب، أو على قوله: باب المياه، على اختلاف النسخ، وفي بعض النسخ: قال الله عز وجل: * (وجعلنا من الماء) * (الأنبياء: 03). الآية، وقال قتادة: كل حي مخلوق من الماء. فإن قلت: قد رأينا مخلوقا من الماء غير حي. قلت: ليس في الآية: لم يخلق من الماء إلا حي، وقيل: معناه أن كل حيوان أرضي لا يعيش إلا بالماء. وقال الربيع بن أنس: من الماء، أي: من النطفة، وقال ابن بطال: يدخل فيه الحيوان والجماد، لأن الزرع والشجر لها موت إذا جفت ويبست، وحياتها خضرتها ونضرتها.
وقوله جل ذكره: * (أفرأيتم الماء الذي تشربون أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون) * (الواقعة: 86).
وقول، بالجر عطف على: قوله، الأول لما أنزل الله تعالى: * (نحن خلقناكم فلولا تصدقون) * (الواقعة: 85). ثم خاطبهم بقوله: * (أفرأيتم ما تمنون) * إلى قوله: * (ومتاعا للمقوين) * (الواقعة: 37). وكل هذه الخطابات للمشركين الطبيعيين لما قالوا: نحن موجودون من نطفة حدثت بحرارة كامنة، فرد الله عليهم بهذه الخطابات، ومن جملتها قوله: * (أفرأيتم الماء الذي تشربون) * (الواقعة: 86). أي: الماء العذب الصالح للشرب، * (أأنتم أنزلتموه من المزن) * (الواقعة: 86). أي: السحاب. قوله: * (جعلناه) * (الواقعة: 86). أي: الماء * (أجاجا) * (الواقعة: 86). أي: ملحا شديد الملوحة زعافا مرا لا يقدرون على شربه. قوله: * (فلولا تشكرون) * (الواقعة: 86). أي: فهلا تشكرون.
الأجاج: المر، المزن: السحاب هذا تفسير البخاري، وهو من كلام أبي عبيدة، لأن الأجاج المر، وأخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة مثله، وقد ذكرنا الآن أنه الشديد الملوحة. وقيل: شديد المرارة، وقيل: المالك، وقيل: الحار، حكاه ابن فارس وفي (المنتهى): وقد أج يؤج أجوجا قوله: (المزن) بضم الميم وسكون الزاي، جمع: مزنة، وهي السحاب الأبيض، وهو تفسير مجاهد وقتادة، رضي الله تعالى عنهما، ووقع في رواية المستملي وحده: منصبا، قبل قوله: المزن، ووقع بعد قوله: السحاب فراتا عذبا، في رواية المستملي وحده، وفسر الثجاج بقوله: منصبا، وقد فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة هكذا، ويقال: مطر ثجاج إذا انصب جدا، والفرات أعذب العذوبة، وهو منتزع من قوله تعالى: * (هذا عذب فرات) * (الفرقان: 35 وفاطر: 21). وروى ابن أبي حاتم عن السدي: العذب الفرات الحلو، ومن عادة البخاري أنه إذا ترجم لباب في شيء يذكر فيه ما يناسبه من الألفاظ التي في القرآن ويفسرها تكثيرا للفوائد.